حول جريمة العمالة الأجنبيّة المعتدين

شاهدت كغيري المقطع الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول اعتداء عمالة وافدة على رجل أمن في دوريّة سريّة بأحد شوارع محافظة جدة، ورغم عدم معرفتنا بالدوافع التي تقف خلف ما قام به هؤلاء من سلوك مخالف وغير مقبول، إلّا أن ما قاموا به من سلوك يعد سلوكًا مخالفًا غير مقبول مهما كانت دوافعه ومسبباته، ومخالفة صريحة لأنظمة الأمن وقوانينه، لكنه أثلج صدورنا نبأ القبض على اثنين منهم في وقت وجيز؛ الأمر الذي يبرز لنا قدرة وكفاءة رجال الأمن في الوصول إلى المجرمين والمخالفين، وهذه الحادثة تجعلنا نذهب إلى أثر سلوكات وممارسات بعض العمالة الوافدة خاصة بعض الجنسيّات منهم على الأمن والاستقرار في الوطن، ذلك في ظل أهمية الشعور بالأمن كحاجة إنسانية أساسية كبرى، وهذا يرتبط بظاهرة العمالة الوافدة التي تعتبر من الظواهر المعقدة أمام الدراسات النفسيّة والاجتماعية والأمنيّة التي قامت على فهم وتفسير ظاهرة الجريمة بين أوساط العمالة الوافدة، حيث تتشابك وتتقاطع مع ظروف ومتغيرات المجتمع المختلفة، سيّما عندما ندرك أنّ الدراسات التي أجريت في هذا المجال أكدت ارتباط ارتفاع معدل الاستقدام للعمالة بارتفاع معدلات البطالة، وكذلك معدل وقوع الجريمة سيّما بعض الجنسيّات المحددة منهم، وبالتالي التأثير بشكل مباشر على أرقام ومعدلات وقوع الجريمة بمختلف أنواعها، وكذلك اختلال التوازن في التركيب السكاني، والعلاقات الاجتماعية، والاحتياجات الأمنية، واختلاف العادات والتقاليد، والقيم الاجتماعية والدينية والفكرية والأخلاقية.
ولتسليط الضوء على الجوانب النفسيّة لهذه الحادثة باعتبارها جريمة أمنيّة واضحة المعالم، ومكتملة الجوانب والأركان، فإن بعض النظريات النفسيّة المفسرة للجريمة اعتبرت أنّ الجريمة وممارسة السلوك العدواني يعد تعبيرًا عن طاقة غريزية كامنة في اللاشعور تبحث عن مخرج وهي غير مقبولة اجتماعيا، أي أن سلوك الجريمة يعتبر تعبيرا مباشرا عن الحاجات الغريزية، والرغبات المكبوتة، أو أنه ناتج عن عدم التكيف بين متطلبات الأنا الأعلى و الهو، وبالتالي فإن المجرم شخص لم يتمكن من التحكم في نزواته ورغباته المكبوتة في اللاشعور، أو لم يتمكن من التسامي بها في سلوكات مقبولة اجتماعيا، وهذا ما يدعونا إلى أهمية التشديد في حصر استقدام الأيدي العاملة المدربة والمؤهلة نفسيًا للعمل والتعايش بشكل سويّ وفق الأنظمة المرعيّة في البلاد، كما أنّ السلوك الإجرامي قد يعزى إلى الشعور بالنقص والصراع من أجل إثبات الذات، حيث إن عقدة النقص قد تؤدي إلى ارتكاب الجريمة، لأن هذه العقدة هي أحسن الوسائل لجلب الانتباه، وليصبح مركز اهتمام فيعوض الإحساس باقتراف الجريمة، وهو ما يفسر بعض سوكات الجريمة الذي تصدر من عمالة تم استقدامها بلا حاجة، فأصبحت سائبة تهيم على وجهها في البلاد لتقوم بعمل أيّ شيء ، وبأي شيء.
أيضًا يعزى سلوك الإجرام والتنمر كردود أفعال بسبب التعلم الاجتماعي، حيث إن السلوك الإجرامي يعد سلوكًا مكتسبًا بالتعلم من ملاحظة النماذج أو بالتجربة المباشرة، وعلى إثر ذلك قامت دراسات نفسية تناولت السلوك الإجرامي، والظاهرة الإجرامية بصفة عامة، وظهر لدينا ما يسمى بعلم النفس الجنائي، الذي يبحث في العوامل النفسية للجريمة من خلال مختلف جوانبها المختلفة.
وفي هذا المجال هناك الكثير من التفسيرات النفسية لسلوك الجريمة والتي لا يتسع المجال لذكرها هنا ، لكنني أؤكد أمام هذه الحادثة على أهمية تضييق الخناق أمنيًّا بشكل دقيق وصارم على العمالة المخالفة والسائبة والهاربة من أعمالها التي ترتكب الهرب بمجرد الوصول إلى أرض المملكة، وتمكث السنوات، وهي تعيش في البلاد بشكل غير منضبط، حيث إن هذه الفئة -في تقديري- هي محور الكثير من الجرائم والمخالفات والسلوكات المخالفة للأنظمة والقوانين، وهو ما يفرض أهمية تطبيق الأنظمة بحقهم، وتطبيق نظام البصمة عليهم بشكل دقيق يحرم العامل الهارب والمخالف من وجود أي فرصة عمل أو مكان يتوارى فيه عن أعين رجال الأمن.

18