لم تكن الصورة واضحةً مع بداية يورو 2016م، ولا أظن أن الترشيحات كانت تصبّ في اتجاهٍ واحد، رغم وجود منتخباتٍ عالميةٍ كبيرةٍ لها ثقلها في عالم المستديرة..! والذي يمكن الجزم به قبل بداية البطولة أن المنتخب البرتغالي لم يكن ضمن المرشحين الرئيسين لحصد كأس البطولة، ومع بداية الجولات الأولى للبطولة تفاجأ الكثير من المحللين بضعف مستوى المنتخبات المشاركة، الكل كان يؤدي في البداية بشكلٍ ضعيفٍ لا يعكس مدى تفوق تلك المنتخبات، ولا القيمة السوقية لبعض نجوم الفايف ستار الذين يمثلون تلك المنتخبات، كانت الأسباب الواضحة لسوء المستوى تكمن في مواصلة اللعب بعد نهاية الموسم في الدوريات المحلية في أوروبا، وهذا يترك تأثيرًا عكسيًّا ويفقد البطولة الكثير من متعتها الفنية، وهنا تكمن فكرة الدهاء والمكر الفني لمدربي المنتخبات المشاركة، فبعض مدربي المنتخبات استفادوا من هذه النقطة بشكلٍ إيجابيٍّ لمصلحة فرقهم، وعملوا على التعامل مع كل مباراةٍ وفق طريقةٍ معينة؛ حتى يكسب المباراة، فالمنتخب الإيطالي مثلًا لم يكن يبادر بالهجوم، وكان مدربه يترك الفريق المنافس يستحوذ على الكرة ويترك له الملعب، إلى أن تأتي الفرصة المناسبة لكسب المباراة، والتقدم للخطوة التالية.
كثيرٌ من هذه المنتخبات فهمت معنى أن يكون اللاعب مجهدًا نتيجة مشاركته في موسمٍ رياضيٍّ كامل، فحاولوا أن لا يكون الحمل كبيرًا على اللاعبين، واكتفوا بالتنظيم الدفاعي الجيد، وكسب المباراة من أقصر الطرق وبأقل مجهود، فالمنتخب البرتغالي لا يُعد من أفضل المنتخبات الأوروبية، وهو بعيدٌ عن المركز الأول في التصنيف الدولي، ولم يقدم المنتخب البرتغالي أثناء البطولة مستوى فنيًّا جيدًا باستثناء المباراة النهائية التي أدى فيها الفريق بشكلٍ جيد، لكن السرّ الحقيقي في فوز البرتغال بيورو 2016 هو فكر مدربه (فرناندو سانتوس) الذي أجاد التنظيم الدفاعي، وطريقة تحرك اللاعبين داخل الملعب، حتى وهو يتعرض لضربةٍ موجعةٍ بخروج أهم لاعبٍ في الفريق والذي تُبنى عليه الخطط الفنية، لم يهتز الفريق، بل واصل بنفس الروح والأداء وبكل ثقة، رغم أن خروج نجمٍ كبيرٍ بحجم رونالدو قد يفقد التركيز لبقية الفريق، وقد تكون الخسارة هي الاحتمال الأكبر، هذا الشيء لم يحدث، وحدث العكس، (ورب ضارة نافعة)، فقد كان لخروج رونالدو ردة فعلٍ عكسية، رفعت من إصرار لاعبي المنتخب البرتغالي، هذا معنى أن تملك مديرًا فنيًّا رائعًا يستطيع أن يتصرف في أحنك الظروف، ويملك الحلول الجيدة لتجاوز المنافس دون أن يلاحظ أي أحدٍ مدى التأثير والفراغ الذي تركه خروج نجم مثل رونالدو.
دائمًا ما نسمع في كرة القدم أن المدرب الفني للفريق لا يتجاوز دوره 20% من العمل، وهذه المقولة ثبت فشلها في كثيرٍ من الأحداث الكروية، ومع تطور الخطط والتكتيك الفني لكرة القدم يثبت لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن دور المدرب يتجاوز هذه النسبة بكثير، فالمدرب المتمكن والذي يملك الحسابات الصحيحة وفق معطياتٍ معينةٍ وأدواتٍ بمستوى معينٍ يستطيع أن يتفوق مهما كانت الظروف، هذا ما فعله مدرب البرتغال، إذ تفوق وهو لا يملك نجومًا بقيمةٍ سوقيةٍ عاليةٍ باستثناء رونالدو، وقيمتهم السوقية تكاد تكون ضعيفةً مقارنةً بالمنتخب الإنجليزي أو البلجيكي أو حتى المنتخب الإسباني الذي يقدم للعالم أفضل وأقوى دوري.
دمتم بخير… وكل عام وأنتم بخير
سلطان الزايدي
Zaidi161@