وقف عبد الحميد والى جانبه ابنه وابن اخيه وصديقهما يتابعون بدهشة مئات الليبيين الذين احتشدوا في صفوف طويلة امام مداخل ملعب طرابلس الدولي، بانتظار الدخول لحضور اول مباراة تستضيفها العاصمة بمشاركة فريق اجنبي منذ عامين ونصف.
وفيما كانت الهتافات تصدح من داخل الملعب، كان المئات في الخارج وبينهم عبد الحميد يرددون الهتافات ذاتها، ملوحين باعلام ليبيا وباعلام فريقهم الخضراء والبيضاء، ليستعيدوا في حدث رياضي نادر الثلاثاء ولعهم بكرة القدم وعشقهم لها.
وقال عبد الحميد لوكالة فرانس برس بينما كان عناصر الامن خلفه يلاحقون شبانا غمرتهم الحماسة بعدما ملوا الانتظار فبادروا الى تسلق جدران الملعب “اخر مرة جئت الى هنا كانت قبل اربع سنوات. انظروا الى فرح الناس اليوم، انه شعور لا يصدق”.
واضاف وهو يحتضن ابنه “كرة القدم هي كل شيء في ليبيا، هي الماء والهواء والحياة. افتقدناها كثيرا. هي تسعون دقيقة من الفرح، ومعها اليوم، ليبيا جميلة ومزدهرة بلا حروب ولا مشاكل”.
-“لم نفرح منذ زمن”-
وفي المدرجات، احتشد الالاف وهم يلوحون باعلام ليبيا وباعلام فريق الاهلي الليبي الذي واجه فريق هارتس اوف اوك الغاني في مباراة ودية هي الاولى التي تستضيفها المدينة الغارقة بالفوضى الامنية والسياسية منذ عامين ونصف.
وعلى مدى تسعين دقيقة، لم يهدأ المشجعون، وبقوا يرددون الهتافات والاغاني تحت المطر الذي تساقط بغزارة على رؤوسهم، وهم يلوحون بالاعلام التي اشتراها البعض من باعة توزعوا في محيط الملعب بين السيارات التي اطلقت ابواقها فرحا.
وسنحت فرصة تسجيل هدف للفريق الليبي في بداية الشوط الاول لكن حارس مرمى الفريق الخصم تصدى لها، وسط صيحات الجمهور في المدرجات التي تحدها من جهة لوحة اعلان نتائج كبيرة معطلة توقفت عقارب ساعتها عند الرقم 12، وفي الجهة المقابلة لوحة مماثلة معطلة توقفت عند الساعة 12 والدقيقة العشرين.
وفي منتصف هذا الشوط، سجل الفريق الليبي هدفا انفجرت معه المدرجات صراخا وهتافا، وركض الالاف نحو حافة المدرجات ليستقبلوا اللاعب الذي سجل الهدف والذي خلع قميصه وبدا يركض في ارجاء الملعب وامام الجمهور بطريقة هستيرية.
وقال محمد القاسم (17 عاما) “عندما سجل الهدف الاول، شعرت بفرح عارم. فرحت كثيرا ونحن الليبيون لم نفرح منذ زمن بعيد، منذ اربع سنوات، رغم اننا نعشق هذه الفرحة وهذه الرياضة”.
وتعيش ليبيا منذ اسقاط نظام معمر القذافي قبل اربع سنوات فوضى امنية وسياسية واقتصادية بعدما فشلت السلطات التي ورثت الحكم في نزع اسلحة الجماعات التي قاتلت النظام السابق وشرعت في التقاتل في ما بينها.
وتخضع طرابلس لسلطة لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي، تدير هذه المدينة المطلة على البحر المتوسط بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى “فجر ليبيا” منذ نحو عام ونصف.
وتواجه طرابلس، المدينة التاريخية في شمال افريقيا، تهديدا من قبل جماعات متطرفة على راسها تنظيم الدولة الاسلامية الذي تبنى على مدى الاشهر الماضية من العام الحالي هجمات وتفجيرات بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة.
وخصصت السلطات الامنية في طرابلس للمباراة اجراءات استثنائية، فانتشرت سيارات الامن في محيط الملعب، وخضع الداخلون للتفتيش، وانتشر عناصر الامن المسلحون، وبعضهم وضع قناعا على وجهه، في ارجاء الملعب.
وما ان اطلق الحكم صافرة انتهاء الشوط الاول، حتى هرع 15 عنصرا امنيا الى وسط الملعب ورافقوا الفريق التحكيمي والفريق الضيف الى غرفة الملابس.
-“الشعب، يريد”-
ومع بداية الشوط الثاني، عاد الالاف الى الغناء والهتاف وقد صبغ بعضهم وجهه باللونين الاخضر والابيض بينما خلع اخرون قمصانهم رغم المطر وبرودة الطقس.
وقال مدرب فريق الاهلي جمال ابو نوار “هي ليست مباراة كرة قدم فقط، هي رسالة للعالم كله حتى يرى ليبيا بعين اخرى”.
وتابع “الجمهور الليبي مجنون بكرة القدم، لا يحبها فقط، بل مجنون بها. اليوم ادخلنا الفرحة في قلوب الليبيين، ونامل ان يشاهد السياسيون هذه الفرحة وان يدركوا معناها”.
وسجل الفريق الليبي هدفين اخرين على وقع الصيحات الحماسية نفسها، التي تخللها هتاف الجمهور باسماء مدن ليبية مختلفة، ودعوة فرق كرة القدم الافريقية الاخرى للمجيء واللعب في طرابلس، مرددين “الشعب، يريد، الافريقية هنا”.
وبسبب الظروف الامنية، لا تخوض الفرق الليبية التي تفتقد للدوري المنتظم منذ سنوات، ولا المنتخب الليبي، مبارياتهم في ليبيا والتي من المفترض ان تلعبها على ارضها وبين جمهورها، بل في دول مجاورة بينها تونس والمغرب.
وعلى مقاعد البدلاء في ملعب طرابلس الدولي، جلس مدرب الفريق الغاني وجهازه الفني ولاعبوه يتابعون بصمت المباراة.
وقال احد اعضاء الجهاز الفني لفرانس برس “انهم فرحون جدا لمشاهدة مباراة دولية. اتمنى ان تاتي فرق اخرى الى هنا لتستمر هذه الفرحة”.