لفرط ما يغالي مجتمعنا في توزيع شهادات الشكر ودروع التقدير، يردد الكثيرون من دون أدنى وعي بأن القمة تتسع للجميع، بينما الحقيقة عكس ذلك، وبعض القمم لا تتسع إلا لواحد فقط هو من نسميه البطل.
في الرياضة يتنافس في بعض البطولات كل من على المعمورة رغبة في تحقيق الإنجاز الكبير مثلما يحدث في الأولمبياد والمونديال، عبر تصفيات طويلة وشاقة لكن في نهاية المطاف لا يرتقي القمة إلا واحد فقط هو ذاك الفريق أو ذاك اللاعب الفذ الذي يلوي أعناق العالم إليه فرحاً أو غضباً أو حتى حسداً فيظل يتذكره الجميع طوال التاريخ بينما ينسون كل منافسيه.
في الدوري السعودي لكرة القدم وخلال ثلاثة عقود تنافس على اللقب الكبير العديد من الأندية فحققه الهلال والنصر والاتحاد والشباب وتبادلوا الفوز به غير مرة في لعبة هي أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، وفاز به الاتفاق حينما كان يقف كتفاً إلى كتف مع الكبار، بل وحتى الفتح وهو الضيف الجديد على منافسة الكبار، والذي يفتقد لمقومات تحقيق اللقب الصعب إلا روح المغامرين وعزيمة الأبطال إذ نجح في فرض نفسه بطلاً للدوري قبل ثلاثة أعوام رغم أنف الجميع.
وحده النادي الأهلي بكل تاريخه وشموخه وجماهيريته وأمواله ونجومه عجز طوال تلك السنين الثلاثين ونيف عن تحقيق تلك البطولة الأغلى، ليس لأنه لم يكن يملك مهرها فقد كان قريباً منها غير مرة يمد لها اليد تارة فتتمنع، وتمد له اليد تارة أخرى فيدير لها الظهر، حتى الموسم الماضي حينما بقي طوال الموسم يلامس القمة لكنه يعجز أن يرتقيها حتى فرض النصر نفسه عليها ليبقى الأهلي كما في كل موسم في السفح.
المنطق يقول أن الأهلي يليق به أن يكون بطلاً للدوري، لكن كرة القدم لا تعترف بالضرورة بلغة المنطق، بل ولا تخضع حتى للعدالة في بعض الأحيان، وهو ما يجب أن يعلمه الأهلاويون، خصوصاً أولئك الذين يبحثون في كل مرة عن مشجب يعلقون عليه الإخفاق المر، لاسيما صديقي الذي قال ذات غصة بأن الأهلي يستطيع أن يسقط برشلونة والريال عن عرش الكرة الإسبانية لكنه لا يستطيع الفوز بالدوري السعودي؛ لأنه يمكن له أن يشتري كل شيء لتحقيقه إلا النزاهة !
في الأعوام الخمسة الأخيرة كاد الأهلي أن يلامس الكأس مرتين، إذ انتزعها الشباب منه في اللحظة الحاسمة قبل أربعة مواسم، كما فعل النصر ذلك في الموسم الماضي، وفي كلا المرتين جاء فقدان اللقب على طريقة (بيدي لا بيد عمرو)، وهي ما جعلت الغصة أشد ألماً، وأصعب وطأة، لكنها أعطت مؤشراً بأن الأهلي قادر على أن يحقق اللقب في أي لحظة ما لم يتسرب الإحباط إليه.
هذا الموسم سيكرر الأهلي مغامرته رقم 32 منذ آخر لقب حققه في النصف الأول من ثمانيات القرن الماضي، وهي مغامرة صعبة بكل ما في الرحلة من عراقيل وآلام ومنغصات، خصوصاً مع المتغيرات الإدارية والشرفية التي طالت النادي، لكن ما يحسب له أن الاستقرار الفني لم يخدش بل تم تحسينه بضم لاعب الوسط السويدي نبيل بهوي و”ميسي اليونان” كما وصفه مركز النادي الإعلامي، وهو ما يعزز قدرته على ارتقاء القمة الصعبة بعد كل تلك السنين.