اللقطات التراجيدية التي اصطادها المصورون لرئيس الهلال المكلف محمد الحميداني ولاعبي الفريق في أعقاب إطلاق الحكم الإيطالي باولو مازوليني صافرته معلناً فوز الهلال بكأس الملك على حساب النصر بعد مباراة دراماتيكية في كل تفاصيلها تشي بحقيقة لا يمكن مواراتها، وهي أن هذه البطولة تحديداً أكبر من مجرد رقم جديد في سجل البطولات الزرقاء.
صحيح أن في سجل الهلال بطولات ذات قيم متنوعة إن في ثقلها النوعي، أو الشرفي، لكن هذه البطولة تحديداً كان لها وقعها الخاص، وسياقها المختلف، وتحدياتها الصعبة، فضلاً عن السيناريو الذي مرت به المباراة، لذلك فقد أعادت هذه البطولة الدماء إلى شرايين الفريق التي كادت تتجلط بفعل الصدمات التي مرّت بها، والجفاف الذي عانى منه في العامين الماضيين وبعض الأعوام الأربعة الماضية.
يكفي أن هذه البطولة جاءت بعد أزمة ضربت البيت الأزرق وأطاح برئيس النادي وإدارته وجهازه الفني بعد طوفان من الغضب الجماهيري والإعلامي، وبعد سلسلة خسائر ومواقف شوهت صورة “الزعيم” كان آخرها “ديربي العاصمة” في ختام الدوري الذي كان بوابة الغريم النصراوي للقب الكبير، وبعد حكاية “هيا تعال” الساذجة التي أصابت كل الهلاليين في مقتل بكل ما حملت من انعكاسات سلبية، وما خلفته من ارتدادات عنيفة.
يكفي هذه البطولة أنها جاءت بعد موسم قاسٍ بل وظالم، إذ تفنن في إذلال الهلاليين بالتلاعب بأعصابهم، والرقص على جراحهم، فبعد خسارة نهائي الآسيوية جاءت عثرات الدوري، ثم خسارة كأس ولي العهد، والمؤلم أكثر أن كل ذلك حدث ولم يكن الآخرون ممن نالوا الألقاب محلياً وخارجياً أفضل من الهلال عدة وعتاداً لولا الأيادي الخفية تارة، وسوء الطالع أخرى، وعلى طريقة بيدي لا بيد عمرو ثالثة.
لقد جاءت هذه البطولة وكأن الشجاع محمد الحميداني ومعاونوه قد حملوا شعار “رب ضارة نافعة”، بل كأني بهم قد استلهموا وسط كل تلك التحديات قول المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، فبالرغم من كل ما حاق بالهلال خلال موسم مؤذٍ ما برح يذيقه أنواع القهر، ويستطعمه صنوف الألم، من خسائر للألقاب، وارتباك إداري، وفوضى فنية، إلا أنه أفضى في لحظة فارقة إلى حالة استقرار تام جاءت وكأنها الهدوء الذي يعقب العاصفة، وأي عاصفة!.
الحميداني لم يكتفِ بحمل تلك الإسفنجة الكبيرة التي نجح من خلالها في امتصاص كل المشاكل في البيت الأزرق، والتي كادت تودي به إلى المجهول، بل إنه نجح في إغلاق مواقع التسريب كافة التي ظل يتأذى منها، خصوصاً وقد تسبب في إحداث حالة تصدع في غير جهة، ليس في هذا الموسم بل طوال موسمين ماضيين، ولعله اليوم يسلّم مفتاح “بيت الزعيم” للأمير نواف بن سعد وهو ينعم بحالة استقرار نموذجية لا يكاد أي رئيس يحلم بها، وهي قيمة مضافة تجعل من كأس الملك أكبر من مجرد بطولة.
إن من الإنصاف اليوم تتويج الهلاليين للحميداني بلقب رجل الإنجاز الأول دون التفاف على الحقيقة ولا مراوغة للواقع، وعلى من تغص حلوقهم بذكر اسمه ما يضطرهم لتجيير اللقب لغيره، أو اختزاله تحت مسمى “إدارة النادي” أن يعرفوا بأن الهلال أوفى من مما يفعلون، وأن التاريخ سيكتب الحقيقة التي ستخبر الأجيال الهلالية أن الحميداني قاد الهلال لتحقيق كأس الملك سلمان من عنق الزجاجة ليهدي ناديه أولوية تاريخية، ولقباً أكبر من بطولة.