في حوارٍ من الطراز الفاخر جمعنا برجلٍ لا يجيد التحدث عمّا ينوي فعله ، إنما يعمل بصمت تاركاً أعماله تتولى مهمة الثرثرة عنه ، و بعد نجاحه الذي أعاد صياغة مفهوم تسويق البطولات و إقناع الرعاة في فروسية قفز الحواجز مهندس البطولات الفارس عبدالله الوعلان يكشف لنا عن تفاصيل هذه التجربة ويحدثنا عن مفاتيح نجاحه فيها :
– شهدنا جميعاً نجاح البطولتين اللتين استضافتهما الكلية الحربية ، ولعلّ أبرز سمات هذا النجاح كانت تتمحور حول ملف الرعاة الذي كُلّفت به ، وكما هو واضح فقد نجحت في إدارته على أكمل وجه ، فمن أين كانت البداية ؟
لا أعتقد أن هناك عاشق للفروسية السعودية سوف يتردد أمام فرصةٍ تتيح لهُ خدمتها، و إنني و منذ تلك اللحظة التي كلفني فيها مدير نادي ركوب الخيل بالكليّة الحربية الرائد عبدالعزيز السرحاني باستلام ملف الرعاة بعد كأس المؤسس للموسم الماضي و أنا أعمل بجدّية على إظهار هاتين البطولتين بالصورة التي تليق بالفروسية السعودية و بالصرح الذي يستضيفها
– اعتدنا في مثل هذا النوع من البطولات على نمط معيّن من التنظيم و الاستضافة يختلف بشكلٍ كبير عمّا رأيناه في هاتين البطولتين إذ أنّ الجهات المستضيفة لطالما كانت تتعلل بصعوبة إقناع الرعاة و لفت انتباه الإعلام فكيف استطعتم قلب الموازين ؟
لا شك بأن ملف الرعاة يعد أصعب الملفات التي يتعامل معها منظموا البطولات في فروسية قفز الحواجز و ذلك يعود لأسبابٍ كثيرة منها ضعف شعبية هذه الرياضة لدى الجمهور و تقصير الإعلام تجاهها – فيما لو استثنينا الصحف الإلكترونية – مما يجعل مهمة إقناع الرعاة صعبة جداً ، لكن يبقى الأمر بعيداً عن المستحيل خصوصاً بعد ما شهدناه من نجاحٍ كبير لمهرجان خادم الحرمين الشريفين لقفز الحواجز مما جعل فكرة النجاح في تكرار هذه التجربة – مع فارق الإمكانيات – ممكناً ولو بنسبةٍ معينة أعتقد بأنها قابلة للزيادة فيما لو واصلنا السير بنفس الاستراتيجية ، و هنا أود أن أتوجّه بالشكر لصاحب السمو الملكي الأمير الفارس عبدالله بن متعب كونه رائد هذا التغيير بعد الله تعالى في تقديم نموذج مثالي للتعامل مع الرعاة و التنظيم ولا أخفيكم سرّاً فإنّ قربي من الأمير عبدالله بن متعب و اطلاعي على تفاصيل العمل الجبّار الذي قام به لإنجاح المهرجان أضاف لي الكثير من الخبرة التي من خلالها استطعت و لله الحمد تقديم هذا المستوى الذي شهدتموه في بطولات الكلية الحربية .
– كما تفضّلت فإنّ أصعب جزءٍ في هذا العمل يكمن في إقناع الرعاة لكنّ إقناعهم بالمقابل يكلّفك تحمّل مسؤولية كُبرى من ناحية الالتزام بالاتفاقيّات التي تعقدها معهم ، فمالعوامل التي كنت تستمد منها ثقتك في قدرتك على إنفاذ هذه العقود دون إخلال ؟
حقيقةً لم أكن لأنجح في هذه المهمّة لولا أنني اعتمدتُ بعد الله تعالى على عدّة عوامل أعتبرها نقاط قوّة أوّلها وجود شخصيّةٍ عبقرية تقود الفروسية مثل رئيس الاتحاد السعودي للفروسية صاحب السمو الأمير الفارس عبدالله بن فهد و الذي هو رجلٌ تهمّه في المقام الأول مصلحة الفروسية والفرسان ، وقد كنت على ثقة تامة بأنه لن يتردد مطلقاً في تقديم دعمه لنا و هذا ما رأيناه فعلاً من خلال مواقفه التي ساهمت في إنجاح هاتين البطولتين و مرونته التي جعلتنا نعمل في جوٍّ مهيّأ بعيداً عن كل الضغوط ، أضيفي إلى ذلك وعيه بأهمية الرعاة و حرصه على أن لا يخطف منهم الأضواء إنّما تعمّد أن يكونوا هم محور الحدث ، و هو أمر لا يقوم به إلا رجل واضح الرؤية يُقدّم مصلحة الفروسية على سواها .
أمّا ثاني العوامل فقد كان قيادات الجهة المستضيفة للبطولات – كلية الملك عبدالعزيز الحربية – ممثلة في قائدها اللواء ركن ظافر الشهري و مدير نادي ركوب الخيل بالكلية الرائد عبدالعزيز السرحاني إذ ذللوا أمامي جميع الصعوبات التي واجهتها ، بالإضافة إلى منسوبي الكلّية بكافّة قطاعاتها المعنيّة منها بالشأن الفروسي والغير معنية ، فالجميع قدّم الدعم وساهم في إنجاح البطولات ، أضف إلى ذلك أني لا أعمل ضمن مؤسسة ربحية كما أن الكلية الحربية أيضاً لم تبحث عن الربح من وراء هذه البطولة مما جعلنا نعمل فقط من أجل إنجاحها ، من خلال هذه العوامل كلّها كنت قادراً على إعطاء الوعود للرعاة واثقاً من قدرتي على الوفاء بها .
– كانت تلك العوامل ، فما هي الاستراتيجية التي اتبعتها لإقناع الرعاة ؟
في الحقيقة إنّ الطريق إلى قلب الرعاة لم يكن ممهداً لكنني كنت مؤمناً بأنّ ما تجنيه من الرعاة يجب أن تنفق جزءاً كبيراً منه عليهم ،ثم وضعت لنفسي عدة ضوابط أساسية أعمل من خلالها أهمّها العمل المبكّر على إيجاد الرعاة و قد حرصت على إيجادهم فعلاً قبل بداية السنة الجديدة لتكون رعاية بطولاتنا مدرجة في جداول ميزانيّاتهم ، ثم المرونة في التفاوض معهم فإنه وكما نعلم بأنّ رعاية بطولات قفز الحواجز – في نظر الرعاة – تعد مغامرة خصوصاً لدى ؤلائك الذين كانت لهم خبرات سابقة مع هذا النوع من البطولات لم يكونوا راضين عنها ، حتى أنّ بعض الرعاة استغرق عدة أشهر قبل أن يتخذ قراره برعاية بطولاتنا فضلاً عمّن اتخذوا قراراتهم بالرعاية مع عدم اقتناعهم بجدواها ، ولكي أمنح للراعي ثقةً في جدّية وعودنا حرصت على توثيق الاتفاقيّات و الوعود و حتى الشروط الجزائية بشكلٍ قانوني مستعيناً بالمحامي محمد التركي الذي يملك خبرة كبيرة في مجال العقود الرياضية ، وبعد هذا وذاك كنت حريصاً على أن يحصل الراعي على أكثر مما وُعِد به لكي أضمن عودته مرة أخرى لرعاية هذا النوع من البطولات مما سيعود بالنفع على الفروسية مستقبلاً ، وقد وُفّقت ولله الحمد بتوقيع عقودٍ مع رعاة من فئات مختلفة ، مثل شركة بورشه السعودية كراعٍ بلاتيني للبطولات وهي الشركة صاحبة الاسم العريق في مجالها ، بالإضافة إلى مربط الجوزاء باعتباره راعياً ذهبياً والذين و على الرغم من اهتمامهم بالخيول العربية الأصيلة إلّا أنهم لم يترددوا في رعاية بطولات قفز الحواجز مما يؤكد أنّ حب الخيل هو القاسم المشترك بين جميع عشّاقها ، بالإضافة إلى وجود ثلاث رعاة فضيين هم شركة وادي رم لتدوير المعادن المحدودة ، و شركة البواني ، وبوتيك عالم الأحصنة بالإضافة إلى الشريك الإعلامي للبطولتين ممثلاً في صحيفة الرياضية ، وهنا أتقدّم بالشكر لكل الرعاة الذين وضعوا ثقتهم بنا و أرجوا أننا كُنّا أهلاً لهذه الثقة .
– البعض يُرجع نجاحك في تسويق البطولات إلى علاقاتك القويّة مع بعض الشركات التي ربما سهّلت عليك المهمّة فما هو ردّك حول هذا الأمر ؟
ليس خطأً أن يستفيد المرء من علاقاته طالما أن هذه الاستفادة تعود بالنفع على جميع الأطراف ، لكنني فعلياً لم أسلك الطريق الأقصر للوصول إلى أهدافي بل تعمّدت أن أسلك الطريق الأكثر وعورة لأمهده أمام غيري ، فإنني كفارس و عاشق لهذه الرياضة يهمني أن لا يكون نجاح هذه البطولة استثناءً ، بل أود رؤية هذا النجاح يتكرر على جميع الميادين في المملكة ، و لعلّ الوقت الذي استغرقته في إقناع الرعاة هو أكبر دليل على أنني غير مستفيد من علاقاتي في إنجاز مهمّتي ، فإنّ راعياً كالراعي البلاتيني قد استغرق منّي ما تجاوز الخمسة أشهر من المفاوضات التي استمرت حتى آخر لحظة قبل التوقيع ، بالإضافة إلى أنه و حتى الرعاة الذين لي بهم صلات وثيقة لم أحاول أبداً استغلال هذه الصلات ، بل كنت مصرّاً على أن يكون التعامل معهم بصورة احترافية انسى معها كل شيء عدا كونهم رعاة بغية أن أعكس صورةً جدّية تتناسب مع العمل الذي يجمعنا ومع أهمّيتم كرعاة يستحقون أن ينالوا من الاهتمام كما يناله الرعاة الآخرين .
– أنجزت مهمتك على أكمل وجه و حصدت شهادات الرضا من الرعاة والفرسان والفروسيين ، فما مدى رضاك أنت عن مستوى البطولات ؟
الحمد لله ، فإنه قياساً على الإمكانيّات المتاحة فإن الرضا هو سيّد الموقف على الرغم من أنني مؤمن تماماً بأنه كان بالإمكان أكثر مما كان ، و أنه لا يجب أن يُنسب المستوى الذي ظهرت به البطولة والنجاح الذي حصدته إلي وحدي، فإنّ لي فيه شركاء لم أكن لأنجح لولا دعمهم بدايةً من اتحاد الفروسية و المسؤولين في الكلية بالإضافة إلى زملائي من الفرسان و عشّاق الخيل والفروسية الذي ما إن لمسوا جدّيتنا في العمل حتى بادروا بالعون دون أن يكون لهم أي غاية أو مصلحة سوى أن حبهم للفروسية كان هو الدافع الذي يحركهم و هو أمر إن دل فإنما يدل على الأخلاق العالية التي تفرض نفسها على وسطنا الفروسي الذي أنا فخورٌ بانتمائي إليه .
– بعد هذا النجاح الذي حصدته على مستوى تسويق البطولات وتنظيمها هل هناك نيّة بأن تحترف هذا المجال ؟
إن الأفكار التي تخدم الفروسية موجودة ، و لعلّي أفضل أن أُرجئ الحديث في هذا الأمر إلى حين حلول التوقيت المناسب .
– كلمة أخيرة تود أن تقولها ؟
أتقدّم من خلالكم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح هذه البطولات ، و لكل من وثق بقدرتي على تحقيق أهدافها ، و أتوجه لكل من ينتمي إلى هذه الرياضة العريقة برسالة مفادها أنّ رياضةً تحمل اسم المملكة إلى العالمية تستحق الكثير ، ومهما بذلنا من أجلها فإنها تستحق أكثر و أكثر .
فكرٌ جديد و استراتيجيةٌ جديدة استطاع الوعلان أن ينقلها من المستحيل إلى أرض الواقع ممهداً من خلالها الطريق أمام من كان يؤمن بأن وقت التغيير قد حان ، ويفكّر بجدّية في أن الفروسية السعودية تستحق أن ترتدي كامل زينتها و تبدو دائماً في صورةٍ تليق بمقامها السامي في قلوب عشّاقها .