نجح الاتحاد السعودي لكرة اليد في تجاوز أصعب أزمة وأخطر قضية يمكن أن تواجه أي اتحاد رياضي في العالم، وهي أزمة التواطؤ والتلاعب في نتائج المباريات، وذلك حينما أصدر قراراته التاريخية بشأن أندية مضر والصفا والعدالة والجيل على خلفية تلاعب الفرق الأربعة في آخر مباراتين لهم في الدوري، والتي جمعت الصفا والجيل وانتهت بنتيجة 113-14، ومضر والعدالة والتي انتهت بنتيجة 93-2، والتي كان الهدف من وراءها تسهيل عبور أحد الناديين مضر والصفا لبطولة النخبة حيث كانا يتنافسان على فارق الأهداف بينهما لحسم المتأهل الخامس للبطولة.
وكان رئيس الاتحاد تركي الخليوي قد أعلن في مؤتمر صحفي بعد مرور نحو شهرين على الحادثة قرارات تاريخية بعد سلسة تحقيقات أجرتها لجنة خاصة شكلت لمتابعة ملف القضية أفضت إلى هبوط فرق مضر والعدالة والصفا إلى دوري الدرجة الأولى والجيل إلى الدرجة الثانية، كما حمل القرار شطب لاعب فريق العدالة عبدالله الحافظ من سجلات الاتحاد، وإيقاف مدرب العدالة محمد البراقي وإداري نادي الجيل خالد الحويل وثلاثة لاعبين من العدالة وهم: ضيف الله الشقاف وكاظم الجميعي ومحمد العميش، بالإضافة إلى الحكم محمد ملائكة لمدة سنة لكل منهم، إضافة إلى لفت نظر إداري العدالة عبدالله البلادي، كما تضمن القرار حل لجنة المسابقات بالاتحاد السعودي لكرة اليد وإعادة تشكيلها والتوصية بلفت نظر رؤساء الأندية الأربعة من الرئيس العام لرعاية الشباب.
وكان طبيعياً أن تُحدِث هكذا قرارات ردود فعل واسعة على مستوى الساحة الرياضية في المملكة عموماً وعلى مستوى متابعي كرة اليد على وجه الخصوص؛ لاسيما وأن هذه القرارات قد طالت نادياً بحجم مضر الذي يعد اليوم أحد أقطاب اللعبة ليس محلياً وإنما على الصعيد الدولي باعتباره بطلاً للقارة الآسيوية قبل عامين وممثلها في بطولة العالم، فضلاً عن كونه يضم نخبة من اللاعبين الدوليين، وإلى جانب مضر الصفا الذي يضم هو الآخر بين صفوفه لاعبين دوليين باعتباره أحد روافد المنتخبات الوطنية.
تلك الحادثة كانت بمثابة زلزال هزّ اللعبة؛ وأثرعلى سمعتها لكنها في الوقت ذاته وضعت اتحاد اللعبة على المحك حيث كان أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يداري الفضيحة بعقوبات شكلية على الفريق، وإيقافات عابرة على بعض اللاعبين، وهو ما كان يقترحه البعض تحت ذرائع وحجج مختلفة منها وضع الاتحاد في المشهد الرياضي، والأثر الذي سينعكس عليه حين تكون العقوبات قوية، وكذلك حاجة المنتخب للاعبي ناديي مضر والصفا، حيث أن الهبوط سيؤثر على مستويات اللاعبين، وبين أن يتحمل الاتحاد المسؤولية كاملة ويكون في مستوى الحدث وفداحته، وذلك بالمبادرة لاجتثاث القضية من جذورها، خصوصاً وهي ترقى لمستوى الجريمة وليس مجرد تجاوز عابر، وهو ما كان بالفعل حيث غلّب الاتحاد سيادة القانون على أي مصلحة أخرى، وذلك من خلال تطبيق العدالة وفق ما آلت إليه التحقيقات، وبناءً على منصوص اللائحة.
جاءت الحادثة لتضع الاتحاد السعودي لكرة اليد أمام اختبار عسير؛ لكنه نجح في تجاوزه بفضل حنكة رئيسه تركي الخليوي وجسارته في مواجهة الحدث، بل إنه قدم درساً مجانياً لكل الاتحادات الرياضية في معنى أن يسود القانون ويفرض هيبته، بالاستناد على النظام لا بالافتئات عليه، وهو ما يعيدنا إلى حادثة ناديي الوحدة والتعاون في دوري المحترفين لكرة القدم في العام 2011 حينما قرر الاتحاد السعودي لكرة القدم خصم ثلاث نقاط من ناديي الوحدة والتعاون وتغريم نادي الوحدة 310 آلاف ريال ونادي التعاون 330 ألف ريال، وهو القرار الذي أدى إلى هبوط الوحدة للدرجة الأولى بديلاً عن القادسية الذي عاد للبقاء في الدوري، بالإضافة إلى خروج التعاون من كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال ليتأهل الفيصلي بديلاً عنه، وذلك على إثر اتهام الناديين بالتلاعب في نتيجة مباراتهما في الجولة الأخيرة في ذلك الموسم، وهي القرارات التي فتحت الباب لانتقادات عنيفة ضد الاتحاد السعودي حيث استند يومها على معطيات ضعيفة وقدم أدلة وقرائن واهية كانت محط سخرية الوسط الرياضي خصوصاً ما صدر عن رئيس لجنة الحكام عمر المهنا والتي عرفت بأدلة “شكوكي وظنوني”، وهو ما أدى إلى تفجير الموقف ووصول القضية إلى محكمة التحكيم الرياضية.
وزاد من احترام الوسط الرياضي، وخصوصاً المهتمين بلعبة كرة اليد لاتحاد اللعبة أن تلك القرارات قد أعادت الهيبة للاتحاد الذي عانى في سنوات ماضية من انتهاكات سافرة لكل قيم الرياضة القانونية والأخلاقية، حينما كانت بعض الأندية واللاعبين يتجرأون على الاتحاد إلى مستوى بعيد ما حول المنافسات إلى ساحة فوضى وقد ساعد على ذلك ضعف هيبة الاتحاد، وسوء إدارة بعض لجانه وتواضع مستوى التحكيم، وهو ما يجعل أبناء اللعبة وأنصارها يطالبون الخليوي بحتمية أن يكون سيف القانون شاهراً في وجه كل من تسول له نفسه تجاوز النظام دون تمييز بين نادٍ وآخر مهما بلغت مكانته أو سطوته، ومما يعزز لديهم الثقة بقدرته على ذلك هو إيقاعه العقوبة على الاتحاد نفسه حينما حل لجنة المسابقات وعاقب حكما في سياق جملة القرارات، ما يؤكد أن لا أحداً فوق القانون.
رغم كل ذلك يبقى المؤلم حد الوجع حقاً أن تلك القرارات التي صفق لها المحايدون طالت نادياً بقيمة نادي مضر وهو النادي المكافح بكل مكوناته الإدارية والفنية وحتى الجماهيرية، وهو الذي حصد تعاطف الجميع بعدما فرض نفسه كظاهرة وهو يؤسس نفسه من العدم كبطل قاري فرض وجوده في المشهد العالمي؛ ولكن ذلك ما جناه عليه مسيروه ولاعبوه على طريقة “يداك أوكتا وفوك نفخ”!.
مقالة للكاتب محمد الشيخ عن جريدة الرياض