عندما قدمت البرازيل أوراق اعتمادها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2014 كانت مدينة ناتال وهي منتجع على شاطئ المحيط الاطلسي هي النموذج الذي أرادت أن تتباهى به أمام العالم.
وبفضل انتعاش اقتصادي في البرازيل كانت ناتال المنتجع الهادئ فيما سبق في طور التحول الى مدينة سريعة النمو تمثل الوجه الجديد للبرازيل التي تتأهب للانطلاق للدخول في زمرة بلدان العالم الأول.
ولم يهتم أحد بحقيقة أن ناتال مدينة تقع في شمال شرق البرازيل الذي يعاني منذ أمد بعيد من الفقر وهي بعيدة عن ريو دي جانيرو وساو باولو كما أن استاد المدينة لم يعرف استضافة مباريات كثيرة لأندية كرة قدم كبرى ناهيك عن استضافة مباريات في كأس العالم أبرز بطولات اللعبة على الصعيد الدولي.
وقالت السلطات إن ناتال سوف تشيد استادا على أحدث طراز وستقوم بتحسين البنية التحتية ووعدت باقامة خط للترام ومستشفى جديدا وتطوير الشاطئ وجعل الأرصفة مناسبة لحركة المعاقين على الكراسي المتحركة.
والان بعد خمس سنوات وقبل أقل من شهر من انطلاق البطولة اكتمل العمل في القليل من المشروعات بخلاف الاستاد ومطار لم تتم تجربته بعد.
ولم يبدأ تقريبا العمل في نصف المشروعات التي تم التعهد بانجازها بقيمة 1.3 مليار دولار. ولم ينته العمل في مشروعات بالفعل بما في ذلك طرق حول الاستاد مما جعل المنطقة المحيطة به منطقة عمل بها الكثير من مواد البناء والتراب.
وقال فرناندو مينيرو وهو عضو بالمجلس التشريعي للولاية عن حزب العمال اليساري “إنها فرصة ضائعة.. فشلت ناتال.”
وتسعى المدن لاستضافة مباريات بكأس العالم ومنافسات الالعاب الاولمبية وبطولات أخرى من أجل الاستفادة من تنشيط السياحة وتسليط الاضواء عليها وأمور أخرى تتعلق بتحسين البنية التحتية كي تصبح “إرثا” للبطولة مثلما حدث مع مدينة برشلونة الاسبانية التي مرت بعملية اعادة بناء من أجل استضافة اولمبياد 1992.
لكن من الشائع حدوث مشاكل مثل وجود بنى تحتية غير مستغلة كالاستادات التي لا يستخدمها أحد في جنوب افريقيا التي استضافت كأس العالم 2010 .
وفي البرازيل حيث ستقام مباريات كأس العالم في 12 مدينة يشعر الناس خاصة في تلك المدن بالغضب إزاء الكلفة العالية والتأخير في إنهاء العمل بالمشروعات والاستثمارات التي لم تعرف طريقها إلى النور.
ويقول الناس إن البيروقراطية والفساد والصراع السياسي أدت الى عدم إنجاز الأعمال وهو أمر شائع في البرازيل أكبر بلدان أمريكا اللاتينية.
ولم ير النور مشروع اقامة قطار فائق السرعة بين ريو وساو باولو بتكلفة 16 مليار جنيه. وبدلا من اقامة صالة جديدة في مطار فورتاليزا سوف يتعين على المسافرين المرور في خيمة ضخمة. ولن ينتهي العمل في خط للسكك الحديدية في عاصمة كويابا التي تحيطها المزارع قبل نهاية كأس العالم.
وذكرت سيناينكو وهي تجمع نقابي للمهندسين والمعماريين أن 36 فقط من 93 مشروعا كبيرا انتهى العمل فيها.
وصبت هذه الاخفاقات المزيد من الزيت على نار الاستياء المنتشر بالفعل إزاء انفاق 11 مليار دولار على استضافة كأس العالم. ويشعر الناس بالغضب لان الاقتصاد البرازيلي الذي كان ينمو بمعدل أكثر من أربعة في المئة على مدار نحو عشر سنوات قد تراجع نموه إلى نصف هذا المعدل.
واندلعت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البرازيل في يونيو حزيران الماضي إبان استضافة البلاد كأس القارات التي تعد بمثابة استعداد لكأس العالم واستمر الناس في تنظيم مظاهرات أصغر. ويرى كثير من البرازيليين أن النهائيات التي تنطلق في 12 يونيو المقبل توضح الانقسام في البلد الذي يعاني متاعب فيما يتعلق بالرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم وخدمات حيوية أخرى.
وقالت ماريا سانتوس وهي ممرضة عمرها 29 عاما لرويترز بينما كانت تقف في طابور بانتظار الحافلة لتذهب الى عملها في مستشفى في ناتال “سوف تكون بطولة رائعة.”
واضافت ماريا التي كثيرا ما تعمل بدون قفازات واقية ولا محاقن “لكن ما تنفقه (السلطات) كان من الأفضل إنفاقه على أمور أخرى.”
وناتال نموذج للمدن المضيفة التي يفوق طموحها الواقع الذي تحياه ولم ترتق ناتال الى مستوى تطلعات المدن المتقدمة.
وتعاني ناتال التي يقطنها نحو مليون نسمة من معدلات جريمة مرتفعة وازدحام مروري خانق ومتاعب اقتصادية وأوضاع سياسية محلية معقدة ويعتبرها البعض فاسدة. وأقيلت رئيسة بلدية ناتال السابقة وتواجه حاكمة الولاية الحالية العزل.
وقال جوزيه الديمير فريري وهو خبير اقتصادي “لم تسر الأمور مثلما كان متوقعا. هناك بعض الاستثمارات لكن ليس على المستوى الذي كان متوقعا.”
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وافق في بادئ الأمر على اسناد استضافة المباريات إلى ثماني مدن برازيلية فقط.
لكن الحكومة البرازيلية والقائمين على كرة القدم أرادوا تسجيل أهداف سياسية وقالت البرازيل إنها سوف تستضيف البطولة في 12 مدينة مما أثار منافسة حامية بين مدن أصغر.
وقال فرناندو فرنانديز وهو مسؤول سابق في ناتال “كنا فرخ البط القبيح.”
لكن ناتال تتمتع بمزايا.
فهي أقرب مدن البرازيل الى اوروبا كما أن لديها شواطيء رملية وأكبر عدد من الغرف الفندقية بين المدن التي تستضيف مباريات بخلاف ريو وساو باولو وسالفادور.
وعندما أعلن الفيفا اسم ناتال ضمن المدن التي تستضيف مباريات بكأس العالم في عام 2009 تجمع المقيمون في المدينة على الشاطئ لمشاهدة الاحتفال مباشرة على شاشة عملاقة. وأطلقت الالعاب النارية وبدأ المسؤولون المحليون في تقديم الوعود.
* مشروعات متوقفة واضطراب سياسي
وكان التحدي الأول هو تشييد الاستاد الجديد.
ويشترط الفيفا أن يسع الاستاد 42 ألف متفرج أي عشرة أضعاف معدل الحضور في مباراة عادية في ناتال. وقرر المسؤولون المحليون هدم الاستاد القائم وتشييد اخر.
وقام المسؤولون بالاستعانة بمصممين معماريين ورصدوا 180 مليون دولار لتشييد الاستاد الجديد. وعندما طلب المسؤولون من المقاولين التقدم بعروضهم قالوا إن هذا المبلغ لا يكفي.
ولذلك قام المنظمون بتعديل خططهم وتقليص عدد المقاعد الدائمة في الاستاد ليسع 32 ألف متفرج وتم تركيب مقاعد مؤقتة تسع عشرة آلاف مشاهد.
وفي فبراير شباط 2011 تولت شركة من ساو باولو العمل في تشييد الاستاد.
ووافقت الحكومة الاتحادية على تمويل مشروع المطار.
ورغم وجود مطار قائم بالفعل ملائم لحركة نقل الركاب في ناتال الا ان مسؤولين محليين أرادوا منشأة اخرى لزيادة حركة نقل البضائع. وقررت الحكومة الاتحادية انفاق مبلغ 260 مليون دولار والاعتماد على مقاول لتشييد المطار بينما تتولى ولاية ريو جراندي دو نورتي التي عاصمتها ناتال مسؤولية الطرق المؤدية اليه.
ووافقت المدينة على تحسين حالة المرور والصرف بالقرب من الاستاد لكن لم يتم القيام بشيء فيما يتعلق بتشييد ستة أنفاق جديدة واثنين من الجسور.
وطالب المقيمون في ناتال رئيسة البلدية السابقة ميركارلا دي سوزا بتحقيق انجازات.
وقال كارلوس ادوارد الفيس وهو رئيس البلدية الحالي “لم تفعل (ميركارلا) أي شيء.”
وأكدت ميركارلا أنها تبذل جهدا كبيرا لتوفير التمويل اللازم وعانت من مشاكل صحية أدت الى اعلانها في عام 2012 انها لن تخوض الانتخابات على منصب رئيس البلدية.
وفي اكتوبر تشرين الثاني 2012 وبعد شهرين من نهاية خدمتها في المنصب قامت محكمة في الولاية بعزلها بسبب مخالفات مزعومة في عقود أسندتها الولاية. ونفت ميركارلا في مقابلة ارتكاب أي خطأ وتقول إن خصومها وراء عزلها من منصبها ولم يتم توجيه اتهامات لها.
لكن بحلول عام 2013 لم تكن هناك مشروعات كثيرة جاري العمل بها في ناتال.
وقال الفيس إنه قام باصلاح خطط العمل وبدأ مشروعات بقيمة 290 مليار دولار في مطلع العام الجاري. ويقول المسؤول إن معظم الاعمال الجارية حاليا سوف تنتهي بحلول موعد انطلاق البطولة.
لكن جيران الاستاد ليسوا واثقين من الالتزام بالموعد المحدد.
وقال رودريجو بيريرا مالك أحد المتاجر عند أحد الأنفاق بالقرب من الاستاد ساخرا في إشارة الى قواعد أمنية للفيفا حول الاستادات “إنه أمر رائع ألا يذهب الناس بالسيارات الى المباريات.. لن يستطيع الزبائن الوصول إلي.”
وتتعرض الولاية لانتقادات ايضا.
ويلزم عقد تشييد الاستاد وهو عقد شراكة مع جهة التشييد الولاية بتسديد ديون الانشاء ودفع مقابل الادارة. ومن المتوقع ان تدفع الولاية اكثر من 900 مليون دولار على مدار عقدين من الزمان أي ما يعادل خمسة أمثال كلفة العمل.
ورغم ان معظم سكان المدينة يقولون إنهم يروق لهم الاستاد الا انهم يشعرون بالقلق إزاء كلفته.
وقال لوسيانو راموس وهو مراجع للحسابات يعمل على مراجعة العقد “لدينا مخاوف حقيقة بشأن الثمن الذي يتعين دفعه.”
وتلقت الولاية انتقادات لانها تنهي للتو الطريق الاول من اثنين للمطار.
وتلقي روزالبا سيارليني حاكمة الولاية باللائمة على البيروقراطية وارتفاع تكلفة العمالة وهو “إرث” من ادارات سابقة تقول الحاكمة إنه يحد من قدرة الولايات على القيام باستثمارات.
ويتعين على الولاية دفع الكثير من المرتبات لدرجة انها تتأخر في تسديدها. وتوقف بعض الموردين بما في ذلك موردين لمستشفيات عن العمل مع الولاية.
وتواجه روزالبا المثيرة للجدل خطر العزل من منصبها لان محكمة في الولاية أدانتها في وقت سابق هذا العام بمحاباة حلفائها السياسيين.
وتقول روزالبا إن الحكم مسيس وإن الايرادات من استضافة الاستاد مناسبات اخرى سوف تعوض الكلفة لكن منتقدين يقولون إن ناتال ليس لديها الأعداد الكبيرة من الجماهير التي تحضر مباريات كرة القدم ولا الحضور الكبير للحفلات الموسيقية.