قيل قديماً ولا زلنا نردد مقولة: “من رأى ليس كمن سمع”، وهي العبارة التي ظللت استحضرها طوال الأسبوع الفائت في كل مرة أسمع أو أقرأ فيها كلاماً عن مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة، وعن استادها الكروي “الجوهر المشعة” تحديداً، حيث لم أقف حتى اللحظة على ما يعبر عن قيمة تلك التحفة التي تعد اليوم قيمة رياضية عالمية.
لقد كان لي شرف حضور افتتاح “الجوهرة المشعة” مع مجموعة من الرياضيين والاقتصاديين بدعوة كريمة من مفخرة الوطن شركة أرامكو، وكانت فرصة سانحة لأن نشاهد المدينة الرياضية من أبعاد لم تتح للكثيرين؛ خصوصاً في الاستاد الرياضي حيث اختيرت لنا المنصة مكاناً يسمح لنا التعرف على جوانب مهمة فيه إن على مستوى الملعب أو ما يحيط به من خدمات لوجستية، وكانت كما وصفت – بالفعل – جوهرة مشعة حقيقة لا مجاز فيها.
الجميل في “الجوهرة المشعة” أن من باشروا الإشراف والتنفيذ هم مهندسون وكوادر وطنية؛ بيد أن الأجمل من ذلك أن من صاغ تلك الجوهرة المكنونة وأحالها من مجرد حلم وردي ظل يداعب جفون الرياضيين يقظى ونياماً هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بما يحمل ذلك من مضامين كثيرة كشفت في واحدة منها عن حالة تماس لافتة بين تطلعات الملك ورغبات شعبه.
أياً يكن قولنا كسعوديين في شأن “الجوهرة المشعة” سيظل كشهادة مطعون فيها، ولكن يكفي ما شاهدته وسمعته من نجوم عالميين بحجم الإيطاليين كانافارو، وماتيرازي، وغاتوزو، وماسيمو امبروزيني، والاسباني ميشيل سيلجادو، حيث كانوا معنا في المنصة وظلوا يتسابقون على التقاط الصور من زوايا مختلفة وفي غير مكان ما عبر عن حالة انبهار بهذه التحفة الرياضية.
هدية الملك للرياضيين وإن كانت بحد ذاتها ثمينة لكن قيمتها تتضاعف بحجم ما ستحتضنه من أحداث كبرى، فالملاعب العالمية لا تذكر فقط بما تحويه من أمور مادية، ولكن بما تحمله ذاكرتها من أحداث يسطرها التاريخ، وهو ما ننتظره من “الجوهر المشعة”، مثل ما حدث مع استاد الملك فهد حيث يشهد تاريخ كرة القدم أنه الاستاد الذي شهد ولادة بطولة القارات، وذلك رغماً عن أنف الكاتب العالمي الأورغوياني إدواردو غاليانو الذي قفز على هذه الحقيقة في كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل”.
في ذلك الكتاب الشهير حاول الكاتب الأورغوياني الاستخفاف بقيمة استاد الملك فهد في سياق حديث عن قيمة الاستادات الرياضية الكبرى في العالم حيث راح يعدد مكانة استادات رياضية بحجم ويمبلي، وماراكانا، وسينتيناريو، وبومبونيرا، وكامب نو، وسان ماميس، وميونيخ؛ ليخلص إلى القول عن استاد الملك فهد بأنه استاد “لا يملك ذاكرة وليس لديه ما يقوله”، فكل ما رآه في “الدرة” بحسب رؤيته المجحفة أنه مجرد” منصة من الرخام والذهب ومدرجات مغطاة بالسجاد”.
أعلم أن ثمة من يتفقون مع غاليانو إذا ما قيس الأمر بالاستادات العالمية التي تختزن ذاكراتها أحداثاً هي الأهم في تاريخ كرة القدم؛ ولكن لا يعني ذلك بخس استاد صنع بطولة هي اليوم واحدة من أهم منتجات كرة القدم العالمية، ورغم ذلك فإن أملنا في “الجوهرة المشعة” كبير بأن يعيد وضع أقدام الكرة السعودية على المضمار الصحيح للانطلاقة نحو أفق أبعد.
مقالة للكاتب محمد الشيخ عن جريدة الرياض