لا يفتأ الدكتور عبدالله البرقان رئيس لجنة الاحتراف في الاتحاد السعودي منذ رئاسته للجنة يقدم دروساً مجانية في معنى سيادة القانون الذي لم نعرفه طوال تاريخ الكرة في البلاد، وتلك حقيقة لا يناهضها إلا مكابر أو متزلف، حيث كانت الأمور فيها وحتى وقت قريب تدار إما عبر الاجتهادات التي تحكمها القوة الاعتبارية، أو باللوائح المبنية على الفوضى والارتجالية.
البرقان جاء لاتحاد الكرة منتخباً عبر نادي الشعلة وسط لغط وهواجس لا ذنب له فيها سوى أنه ارتدى يوماً القميص الأزرق، أعني أزرق العاصمة لا أزرق الخرج الذي ارتداه أيضاً، وشتان بينهما عند من يعانون من فوبيا البحر!.
تسلم البرقان حقيبة الاحتراف وهي المليئة بالثقوب لا بوساطة فلان، ولا بالاتكاء على دعم آخر، وإنما عبر تذكرة عبور اسمها “السيرة الذاتية”، التي تحمل تخصصاً دقيقاً في الاحتراف، وتجربة ثرية في العمل الميداني، وحينما لم يجدوا ما يعيبونه به غمزوا من قناة شهادته الأكاديمية بطريقة فجة وأسلوب قميء. ما كاد الرجل الهادئ الذي تخصص في سرقة الاحترام من الآخرين عنوة بأخلاقه الجمة، وابتسامته التي لا تكاد تفارق محياه أن يستوى على كرسيه الذي لم يكن يسند ظهراً ولا يحمل وزناً حتى تهامس المرجفون بأصوات مسموعة وأنفس خبيثة أن قرّ عيناً يا هلال، ولا تثريب عليهم فيما ذهبوا إليه إذ اعتادوا على التعاطي مع مثل هذه المناصب على طريقة توزيع المغانم التي دفعت فاتورتها رياضة وطن عانت ولا زالت تعاني بسبب هذا التعاطي.
تقاطرت القضايا على البرقان فجاءت كل واحدة منها أصعب من الأخرى، فكانت بمثابة اختبار قدرات، واختبار ثقة، حتى أصبح لا يكاد ينهي اختباراً ناجحاً فيه بامتياز إلا ويعلن عن نجاحه في الآخر بمرتبة الشرف، حتى أيقن المختلفون عليه قبل المتفقين معه على أنه – بحق- دكتور الاحتراف، وأبو القانون في كرة القدم السعودية.
نجاحات البرقان التي تحققت لم تكن لأنه كان يحمل في يده عصاً سحرية، ولا لأنه أعاد اختراع العجلة، فكل ما فعله هو أنه احترم القانون؛ إذ سلمه السيادة المطلقة، بلا فرض أو وصاية، وجعله ينظر للجميع على مسافة واحدة، وبمنظار واحد، فكان أن منحه القانون احترام الآخرين، فغدا اليوم الإداري الأنموذج ليس في اتحاد الكرة بل في الوسط الرياضي برمته.
آخر القضايا التي نجح فيها البرقان هي قضية “جبرين الرائد” رغم أنها كانت شائكة ومعقدة ومربكة كون الطرفين المتصارعين فيها هما الهلال والنصر بكل ما يملكانه من قوة إدارية وإعلامية وجماهيرية، ورغم ذلك سار بها البرقان ومعاونوه إلى جادة النجاح دون تصعيد ولا تأزيم، وكل ما فعله أنه اتكأ على القانون مستريحاً فنجح في تفكيك عقدها بقرارات صارمة وبيان واضح انتصر فيها في النهاية للاحترافية والعمل المهني.
المفارقة العجيبة هنا أن واقع عمل لجنة الاحتراف الذي يستظهر النجاح في كل مخرجاته إذا ما قورن بالواقع العام لاتحاد الكرة يكشف عن مسارين متناقضين، حيث الارتباك والفوضى في مسار مجلس الاتحاد، والثقة والتنظيم في مسار لجنة الاحتراف، ولو سبرنا السبب الحقيقي سنكتشف حقيقة مفادها وجود شخص اسمه عبدالله البرقان على رأس اللجنة.. ونقطة على السطر!
مقالة للكاتب محمد الشيخ عن جريدة الرياض