الزايدي: الرياضة وحكيمها خالد بن عبد الله

لا يمكن لأيِّ إنسانٍ مهما بلغ من الذكاء والفطنة أن يميِّز مَن وهبهم الله الحكمة والمقدرة على احتواء أيِّ حدثٍ مفاجئٍ، مهما كان وقعه في النفس، إلاَّ من خلال المواقف والأحداث اليوميَّة، وأسلوب التعاطي معها، فالحكيم لا يُكتَب على جبينه أنَّه حكيمٌ، إنَّما الأحداث مَن تمحص الإنسان وتختبره وتصنِّفه، إمَّا حكيمٌ يمكن الاعتماد عليه وعلى حكمته في ضبط النفس من خلال المواقف التي يتعرَّض لها، أو عكس ذلك، ويُعتبر من عامَّة الناس لا يؤول عليه بالشيء الكثير في المواقف التي تحتاج أن يكون مصدر ثقةٍ لاتخاذ القرار المناسب.

الأمير خالد بن عبد الله يستحقّ أن يوصف بحكيم الرياضة لأسبابٍ كثيرةٍ، هذا الرجل عاصر الرياضة السعودية منذ البدايات وخبرها جيداً، إنَّه ينتهج أسلوباً مميزاً في التعاطي مع بعض الأحداث الرياضيَّة التي يكون نادي الأهلي طرفاً فيها، ولم يسبق لي أن شاهدته منفعلاً، أو يدلي بأيِّ تصريحٍ يقودنا لهذا الإحساس، على الرغم أنَّه يستطيع ذلك لمكانته الاجتماعية ولوضعه الاعتباري في المجتمع، إلاَّ أنَّه وبرغم كلِّ ما كان يتعرَّض له من اتهاماتٍ يبقى صامتاً وفي صمته أبلغ حكمةٍ، على النقيض من بقية الرؤساء وأعضاء الشرف في الأندية الأخرى، فتسمع صراخهم وبحثهم عن كلِّ وسائل الإعلام عندما يجدون ما يستوجب الظهور، وأحياناً يظهرون ويخرجون عن النصِّ دون أن تكون هناك أسبابٌ جوهريَّةٌ مقنعةٌ تستوجب هذا الظهور.

من أجل هذا قلت في بداية المقال: لا يمكن أن تميِّز الحكيم عن غيره من الناس، إلاَّ عندما تختبره في أسلوب وطريقة التعاطي مع الأحداث التي يتعرَّض لها بشكلٍ شخصيٍّ أو بشكلٍ عامٍّ.

فالأمير خالد بن عبد الله كان يصمت ويحلَّ كل القضايا التي تمسُّه شخصيَّاً بصمته، لا ينساق خلف أيِّ إساءةٍ، ويعلم جيداً أنَّ المصلحة العامَّة لا تقتضي التأجيج، والحكمة تقتضي فعل النقيض، وذلك بعدم مجاراة مَن يسعى إلى أن يدخله في نفق التصريحات والردود، فهو تعنيه بشكلٍ كبيرٍ رياضة البلد، هذا الرجل استلم رئاسة أعضاء شرف الأهلي وخرج دون أن يُصدر أيَّ ردَّة فعلٍ لأيِّ قضيَّةٍ كانت.

لقد جعلت الأمير خالد بن عبد الله كمثالٍ حيٍّ في رياضتنا، رغم قرار الابتعاد الذي اتخذه في هذا التوقيت المشحون بالمهاترات والتعصُّب، وهو في رأيي ورأي الوسط الرياضي خسارةٌ كبيرةٌ بابتعاده عن الوسط الرياضي، وقد تُشعرنا الأحداث الأخيرة في الساحة الرياضيَّة بمعنى أن يبتعد رياضيٌّ خلوقٌ بحجم خالد بن عبد الله، إنَّني أصفه بالأنيق الراقي “الجنتل مان”، وقد تكون هذه الألقاب التي تنطبق على شخصيته هي التي صنعت ألقاب نادي الأهلي، فجمهوره يصف النادي بالراقي، وهذا الوصف في تصوري مستوحى من رئيس أعضاء شرفه، فبوجوده سُمِّي الأهلي بالراقي.

إنَّ الساحة الرياضيَّة تشهد اليوم انفلاتاً غير مسبوقٍ، وكلُّ رئيس نادٍ أصبح اليوم يصفِّي حسابات الماضي، ويرمي التهم جزافاً، لا حسيبٌ ولا رقيبٌ، وحصْر تلك التجاوزات في هذه المساحة صعبٌ لتعدّدها وتشعُّبها، وهي تمتدُّ من دوري عبد اللطيف جميل إلى أن تصل دوري ركاء وبقيَّة المسابقات الأخرى.

ولا نفهم لماذا الصمت عن كلِّ هؤلاء إلى أن بلغ السيل الزبا؟! فالوقوف موقف المتفرج من قبل المسؤول يشعرك بضعفه، وقلَّة حيلته، فمَن لا يستطيع أن يطبِّق الأنظمة والقوانين على الجميع بالعدل والمساواة من الأفضل أن يبتعد عن المكان؛ حتى يُتيح الفرصة لغيره، فربما يستطيع فعل ما كان يصعب عليه فعله.

وتصاريح الدفع الرباعي والفيلم الهندي والتشكيك في ذمم بعض رؤساء الأندية مرَّت مرور الكرام، ولم يصدر فيها أيُّ قرارٍ نظاميٍّ، يعيد حقَّ الأندية المتضررة ويمنع من تكرارها مستقبلاً.

إنَّ رئيس نادي الشباب خالد البلطان قال ما يستوجب إعفاءه من منصبه، وهذا دور المسؤول!!، وقبله رئيس الاتفاق قال أيضاً ما يستوجب نفس القرار، لكن لم يحدث أيُّ شيءٍ!! والأسباب مجهولةٌ، فهل أصبحت رياضتنا -وكرتنا تحديداً- مرتعاً للشتم والتشكيك والعنصرية ؟!، فما يحدث اليوم أصبح خطيراً، والقانون واضحٌ، والمسؤولون عن تنفيذه وتطبيقه في سُباتٍ عميقٍ؛ لأنَّهم أرادوا أن يصبحوا هكذا لضعفهم مع الأسف.

فالشجاعة جزءٌ من شخصية القيادي الناجح، وبدونها لن يستطيع أن يعالج أيَّ خللٍ في منظومة العمل التي يرأسها، وفي ظنِّي أنَّ قرار الاستقالة شجاعةٌ بحدِّ ذاتها، متى أيقن أنَّه غير قادرٍ على أداء دوره القيادي بالشكل المطلوب.

نقلا عن اليوم للكاتب سلطان الزايدي

6