كنت أرى الابتسامة لا تفارق أبداً مٌحياه ولم يُخيَّل لي أنني سوف أرى هذه الابتسامة من قريب وبالصدفة المحضة!! ففي عام 2008 حصلت على منحة ابتعاث لدرجة الماجستير في اللغة الإنجليزية من استراليا وكان هناك بعضاً من العوائق التي تحول بيني وبين بدء الدراسة، وبعد قيامي بعمل الفحوصات الطبية التي تطلبها السفارة الأسترالية للحصول على فيزا دراسية هممت بالعودة إلى الفندق وكان الوقت الثانية بعد الظهر، كنت حينها بالقرب من الديوان الملكي،هاتفت أخي “سعد” وخيَّرته من أي المطاعم يريد الغداء واتفقنا على مطعم ” ريدان” بالرغم من معرفتي بالقرار مسبقاً!! غير أنني أثناء المكالمة قطعت الاتصال فجأةً لدخولي في موكبٍ كان يضم السفير السوداني وبعضاً من الضيوف على الديوان الملكي، وعندما وصلتُ إلى بوابة الديوان الملكي سألني حرس البوابة بدورهم عن هويتي وما غرضي وأخبرتهم بالصراحة وأنني أُجبرت على الدخول في الموكب وليس لي أي غرض من الديوان الملكي، وحتى لا يتعطل السير ركب معي عسكري ودخلنا ساحة الديوان الملكي،توقفنا ثم مرّ بقية الموكب، نظرتُ حينها إلى أوراق الفحص الطبي وقرار الإبتعاث، تحدثت مع المسؤول عن إمكانية الدخول ولقاء خادم الحرمين الشريفين وعرضت عليه قرار الإبتعاث وبعض العوائق التي قد تحول بيني وبين الإبتعاث، أبدى الموافقة وسألني عن ” المشلح” ولحسن حظي لم يكن معي مشلح لأن الأمر كان بالصدفة ولم أستعد أصلاً، لم يكن المشلح عائقاً للقاء أبي متعب وتم نقلي بكل إحترام للديوان الملكي، وبعد الإجراءات اللازمة دخلت الديوان على صوت أحد المشائخ الذي لا أتذكر أسمه وهو يقدم موعظة قصيرة، وكما ذكرت سلفاً أن من حسن حظي أنه لم يكن لدي مشلحاً مما جعلني أتحرك بسهوله داخل الديوان وكأنني أحد “الأخوياء” رأيت أبا متعب وهو منصت للموعظة وبجواره أبا خالد، وبعد إنتهاء الموعظة أُتيح للحاضرين السلام على أبي متعب وغادر حينها أبو خالد ودخل ديوانه حيث تبعه السفير السوداني، اقتربت من أبي متعب وصافحته وللأسف لم يكن لدي خطاب لأقدمه له، لكنني تشرفت بالسلام عليه وهذا أكبر مكسب، ثم غادر حفظه الله، اتجهت بعدها لديوان ولي العهد وقابلت رئيس ديوان ولي العهد الأستاذ عبدالعزيز السويلم وكان رجلاً بشوشاً متعاوناً وعرضت عليه قرار الإبتعاث وشكوت بعضاً من العوائق التي قد تحول بيني وبين الإبتعاث، طلب مني ” معروضي” وأخبرته أن وجودي داخل الديوان الملكي كان صدفةً أرادها الله سبحانه وتعالي،قدَّم لي مشكوراً ورقة بيضاء وكتبت معروضي بيدي، طلب مني الإنتظار حتى إنتهاء إجتماع السفير السوداني ووفداً من الغرفة التجارية في جده مع الأمير سلطان ، كان الإنتظار ممتع ولا يعكره سوى قلقي على أخي “سعد” حيث قطعت الإتصال به فجاة ولم أستطع طمأنته كون هاتفي ليس معي ،رُفَع أذان صلاة العصر وأخبرني الأستاذ عبد العزيز بأن الأمير سلطان سوف يصلي معنا صلاة العصر وبعد الصلاة بإمكاني التحدث معه، خرج علينا أبو خالد من مكتبه وهو يرتدي الغترة البيضاء والثوب السماوي والمشلح البُني ثم أُقيمت الصلاة مباشرة ،بعد الإنتهاء من الصلاة استدار سموه واتجهت إليه وبجانبي الأستاذ عبد العزيز صافحته رحمه الله وقابلني بإبتسامة عريضة جميله، قابلته كذلك بابتسامة ولكن شتان ما بين الابتسامتين، أخبرته بأن لدي إبتعاث للدراسة في الخارج وأن هناك بعضاً من العوائق، سلمته خطابي وأخذ يقراه وكنت حينها أخشى أن لا يستطيع قراءته كون خطوط أغلب مدرسي اللغة الإنجليزية سيء وأنا أحدهم، غير ان أبا خالد فك رموزه ثم قلَّب مرفقات الخطاب وسألني عدة أسئله في صميم لوائح الإبتعاث، أدركت حينها أنه رحمه الله موسوعةٌ لجميع اللوائح في جميع الوزارات وأن مهمتي سوف تتسهل بحول الله وقوته ولا مجال مع أبي خالد “لحسب النظام” والروتين الإداري الممل، ابتسم ابتسامة أخرى ساحره وقال “أبشر بالخير” ووجه حينها بتذليل جميع العقبات المباشرة وغير المباشرة ، ما صرحت به وما ألمحت له، غمرني بكرمه لدرجة أنه حقق لي كل ما طلبته في خطابي ومالم أطلبه.
عدت إلى سيارتي غانماً وتناولت هاتفي وإذا به عشرون إتصالاً وكذلك مثلها رسائل نصيه من أخي “سعد” كان من ضمنها ” فقدت الإتصال بصاحب هذا الجوال فجأةً، الرجاء ممن يجد هذا الجوال أو صاحبه أن يبلِّغ أقرب مركز للشرطة”!!
خاتمة:
أللهم إن عبدك سلطان بن عبدالعزيز قد أسدى إليَّ معروفاً، وغمرني بكرمه وجوده وإحسانه، ولا أستطيع أن أُكافئه وقد قدم إليك، اللهم فأكرمه وجُد عليه وأحسن إليه بما أنت أهلٌ له وبما يليق بك يارب من كرمٍ وجودٍ وإحسان، أنت أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأحسن المحسنين.