حباها الله بطفل جميل تبدو عليه علامات الصحة والعافية ولا ينقصه ذكاء أو حسن تصرف واغدقت عليه بالرعايه والعناية ولم تبخل عليه بأنفس الاشياء واجودها ووفرت له الحماية الكاملة حتى لا يقلق مضجعه احد ولم تترك له مجالاً ليقول ينقصنى هذا أو ذاك كل ما يتمناه يجده فى غمضة عين.
ترعرع الطفل واصبح شاباً جميلاً ذكياً متفوقاً تضرب به الامثال ..ولكن تفوق هذا الابن كان محصوراً فقط فى الوسط العائلى ونجاحاته لا تبرز إلا بين ابناء عمومته واخوته وعندما يخرج للمجتمع الخارجى يعجز عن مجاراة الآخرين من اقرانه ويفشل ويصاب بالاحباط ويعود لأمه شاكياً باكياً وتستغرب الام لماذا يفشل ابنى خارج المنزل! وتعيد عليه اختبارات القدرات والمهارات مرة أخرى وفى كل مرة تأتى بأخوته وابناء عمومته الذين حققوا نجاحات مميزة خارج وسطهم العائلى حتى تقارنه بينهم ، ومرة اخرى ينجح الابن المدلل بامتياز ويتفوق على كل اقاربه بصورة لافتة وتزداد حيرة الأم وتطلق ابنها مرة اخرى لينافس الصبية فى الشارع ولكنه يعود إليها كسيراً يجر اذيال الخيبة كالمعتاد.
عندها قررت الأم أن تستشير اخصائى ليكشف لها مشكلة هذا الابن.. وشرحت للطبيب المشكلة وأن ابنها مميز وينجح فى كل الاختبارات التى تقيمها له بامتياز ولا تدرى لماذا يفشل فى اختبارات المجتمع الخارجى.
فكان أول سؤال بادرها به المعالج ؛ من الذى يضع الاختبارات المنزلية؟ قالت أنا.. وسأل مرة اخرى من الذى يقيم الأجوبة؟ أجابت أنا.. واستمرت الاسئلة من الذى يختار المنافسين؟ قالت أنا .. ومن الذى يجهزه ويعده لدخول الاختبارات؟ وكان الجواب أنا .. وتوالت الاسئلة من ومن ومن ؟ وكانت كل الاجوبة تبدأ وتنتهى بكلمة واحدة وهى أنا.
اعتدل الطبيب فى جلسته ورمقها بنظرةٍ فيها الكثير من اللوم وقام إلى مكتبه دون أن ينظر إليها قائلاً الزيارة انتهت.
استغربت وقالت ولكن لم تصف لى علاجاً!!
قال لها المشكلة تتلخص فى عبارة واحدة وهى (ومن الحب ما قتل) دعى ابنك يعتمد على نفسه بعض الشيىء قد يتحسن اداءه خارج المنزل فالفتى يملك كل امكانيات النجاح وأنتِ من يقف فى طريقه فهذه الحماية المبالغ فيها التى توفرينها له هى المشكلة ..ابنك اعتاد على هذه الحماية ولا يبدع إلا فى وجودها وإذا خرج للمجتمع الخارجى يشعر بفقدان الحماية فتهتز ثقته بنفسه ويتوقف عقله وتتلاشى قدراته ومهاراته فيفشل ويخسر كل منافساته .. أنا لا استطيع أن انصحك بأن تتوقفى عن حب ابنك ولكن قليل من القسوة والشدة حتى يقوى عوده ويعتاد على اجواء المنافسة الحقيقية الطبيعية.
وخرجت وهى تفكر فى ما قاله الطبيب غير مقتنعة لأن كل عقلها يتمحور حول تفوق وامتياز ابنها الغير محدود وأن ما تقوم به تجاه ابنها هو عين الصواب . ومازالت تعيد الاختبارات المنزلية مرات ومرات ومازالت تصر على أن تكون هى الحكم والمعد والمخرج والمقيم والمراقب ومازال الابن ينجح فى كل الاختبارات المنزلية بامتياز ويفشل فى كل المحاولات خارج المنزل ايضاً بامتياز.