كوبا أميركا هي أقدم بطولة قارية في العالم حيث رأت النور قبل 99 عاماً وشهدت بزوغ أكبر نجوم كرة القدم في أمريكا الجنوبية على مر تاريخها العريق.
تحتضن تشيلي بعد أيام معدودة النسخة الرابعة والأربعين من هذه المسابقة. وعلى نحو غير مسبوق تقريباً، تصل الفرق إلى البلد المضيف مدججة بعدد هائل من الأسماء المتألقة في أكبر دوريات العالم، بينما تدخل جل المنتخبات المشاركة غمار المنافسة بهدف مزدوج: رفع الكأس المرموقة من جهة، والتأهل لبطولة كأس القارات روسيا 2017 FIFA من جهة أخرى.
تستضيف تشيلي البطولة للمرة السابعة، وهي عاقدة العزم على التتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخها، حيث تملك من المؤهلات والمقومات ما يكفي للتحلي بالتفاؤل في نسخة هذا العام، مسلحة بالمدفعجي أليكسيس سانشيز، الذي قدم موسماً رائعاً في آرسنال، وآرتورو فيدال، المتوج مع يوفنتوس بطلاً للدوري والكأس في إيطاليا قبل إحراز وصافة دوري أبطال أوروبا، ناهيك عن خبرة حارس مرمى برشلونة كلاوديو برافو وموهبة المهاجم إدواردو فارجاس الذي أظهر قدرة هائلة على هز الشباك. فبالنظر إلى ترسانة النجوم التي تزخر بها كتيبة لاروخا، من المنطقي أن يؤمن أصحاب الأرض بإمكانية وضع حد للعنة التي طاردت البلدان المنظِّمة، حيث لم يكن اللقب من نصيب أي مضيف منذ أن تمكنت كولومبيا من اعتلاء منصة التتويج عام 2001.
وفي هذا الصدد، وصف إيفان زامورانو الأجواء التي تعيشها بلاده، التي لم تحتفل بدرع البطولة منذ عام 1991، حيث قال الهداف التشيلي السابق في تصريح للصحافة المحلية: “على الورق، يبدو الطريق مُعبَّداً بالنسبة لتشيلي. قد يظن البعض أن الأمر في المتناول، ولكن لم يعد من الممكن التنبؤ بنتائج مباريات كرة القدم. لن يكون هناك أي ضغط على لاعبين من مستوى برافو وأليكسيس وفيدال وميديل، الذين يحترفون في دوريات كبيرة. بل على العكس من ذلك، سيكون اللعب هنا بمثابة قوة إضافية”.
في طريقها ضمن منافسات المجموعة الأولى، ستجد لاروخا أمامها بعض الأسماء البارزة. صحيح أن المكسيك لن تلعب بتشكيلتها الأساسية المعتادة، ولكنها ستعول على المخضرم رافائيل ماركيز، الذي حمل شارة الكابتن مع منتخب الأزتيك في آخر أربع نهائيات عالمية. وبدورها، لن تكون الإكوادور فريسة سهلة، بل ستدخل غمار البطولة للتنافس بشراسة، وهي التي تضم في صفوفها لاعبين من المستوى الرفيع بقيادة جيفرسون مونتيرو، في حين ستعول بوليفيا على قدرة مارسيلو مارتينز التهديفية.
صراع العمالقة
أما أوروجواي، حاملة اللقب وبطلة كوبا أميركا 15 مرة، فستسعى إلى الدفاع عن عرشها معتمدة على جل عناصر التشكيلة التي خاضت منافسات البرازيل 2014. ففي غياب لويس سواريز، ستكون كل الآمال معقودة على المهاجم إدينسون كافاني، الذي أنهى للتو موسماً مثالياً مع باريس سان جيرمان، فاز فيه بلقب الدوري وكأس السوبر وكأس الدوري وكأس فرنسا. وفي حديث حصري لموقع FIFA.com، قال دييجو فورلان، المتوج مع لاسيليستي بطلاً للنسخة السابقة عام 2011: “يمر الفريق بمرحلة انتقالية، حيث هناك لاعبون ينتظرهم مستقبل عظيم مثل دييجو رولان. صحيح أن غياب لويس مؤثر بشكل كبير، إلا أن أوروجواي قدمت مباريات كبيرة من دونه. فالفريق يحافظ على تماسكه”.
أما المجموعة الثانية، فتضم منتخب الأرجنتين، وصيف بطل كأس العالم، الذي يصل إلى تشيلي بكامل ترسانة نجومه، وفي مقدمتهم الكابتن ليونيل ميسي، الذي فاز للتو مع برشلونة بثلاثية تاريخية بعد التتويج بعرش الليجا وكأس الملك ودوري أبطال أوروبا، دون إغفال عودة كارلوس تيفيز، الذي قدم موسماً مثالياً مع يوفنتوس، ناهيك عن موهبة سيرخيو أجويرو هداف الدوري الإنجليزي الممتاز مع ناديه مانشستر سيتي ومهارة الزئبقي آنخيل دي ماريا. وسيسعى الألبيسليستي إلى اعتلاء منصة التتويج لأول مرة بعد صيام دام 22 سنة، وهو الذي يملك في جعبته 14 لقباً بالتمام والكمال.
ولا يُخفي تاتا مارتينو أن فريقه يدخل نسخة هذا العام بصفته أحد المرشحين الكبار، حيث أكد المدرب الأرجنتيني أن “احتلال المركز الثاني في كأس العالم الأخيرة يجبر هؤلاء اللاعبين على الطموح لإنجاز أفضل منذ ذلك الذي تم تحقيقه في كأس العالم”، مضيفاً أن “الموسم كان جيداً وهؤلاء اللاعبون بلغوا مستوى أفضل مما كانوا عليه عندما وصلوا إلى كأس العالم. وعلاوة على ذلك فإن ميسي يوجد في أفضل حالاته”.
وفي سابقة تاريخية، سيكون مارتينو أحد الأرجنتينيين الستة من بين المدربين الاثني عشر المشاركين في هذه البطولة، التي ستشهد ظهور مواطنيه خورخي سامباولي (مع تشيلي) وجوستافو كوينتيروس (الإكوادور) وخوسيه بيكرمان (كولومبيا) وريكاردو جاريكا (بيرو) ورامون دياز (باراجواي).
وبالإضافة إلى الأرجنتين، تضم المجموعة الثانية منتخب باراجواي، الذي وإن لم يتأهل لنهائيات كأس العالم الماضية، فإنه يدخل المسابقة القارية باعتباره وصيف البطل، معولاً على خبرة الكابتن روكي سانتا كروز والمخضرمين خوستو فيلار وباولو دا سيلفا. من جهتها، تشارك جامايكا لأول مرة في كوبا أميركا، حيث يتطلع أبناء الكاريبي إلى التفاخر بمهارات رودولف أوستن وجيرمين تايلور.
عملاق تاريخي وجيل على خطى الكبار
بعد كبوة البرازيل 2014، ستلعب البرازيل في المجموعة الثالثة حيث تدخل غمار كوبا أميركا على خلفية عملية تجديد شاملة بدأت مع استلام دونجا دفة الفريق. ويدخل السيليساو مدججاً بالنجوم الكبار، وعلى رأسهم نيمار – المتوج بالثلاثية مع برشلونة – ودافيد لويز وتياجو سيلفا – المنتشيين بموسم ناجح في باريس سان جيرمان – ناهيك عن عودة الموهوب المخضرم روبينيو، حيث سيكون المنتخب البرازيلي بالتأكيد واحداً من أبرز المتنافسين على اللقب.
من جهتها، حققت كولومبيا أفضل أداء لها في تاريخ كأس العالم خلال النسخة الماضية، وهي التي تضم في صفوفها لاعب وسط ريال مدريد، جيمس رودريجيز، والهدافين الخطيرين راداميل فالكاو وكارلوس باكا، الذي قاد إشبيلية إلى الفوز بلقب الدوري الأوروبي هذا العام. وفي تصريح صحفي، أوضح المدرب خوسيه بيكرمان تطلعات الكافيتيروس مؤكداً أن “هذا الفريق تمكن دائماً من تحقيق الأهداف المنشودة، حيث تطور وبلغ مرحلة النضج في الطريق إلى كأس العالم وسيدخل منافسات كوبا أميركا بهذه العقلية سعياً منه إلى بلوغ أبعد نقطة ممكنة”، مؤكداً أن “جميع اللاعبين أظهروا التزاماً كبيراً وانضباطاً هائلاً”.
لكن لا يمكن إسقاط الفريقين الآخرين من الحسابات. فمنتخب بيرو يراهن على التوازن بين الخبرة والشباب، مرتكزاً في ذلك على المخضرمين كلاوديو بيزارو وجيفرسون فارفان وباولو جيريرو، بينما تسعى فنزويلا إلى مواصلة النمو المطرد الذي حققته في العقد الأخير، حيث تصل إلى البطولة القارية مسلحة بخبرة خوان أرانغو وسالومون روندون وموهبة توماس رينكون.
ومهما تعددت الأسماء واختلفت الترشيحات، فإن الإثارة والتشويق والحماسة ستكون بكل تأكيد العنوان الأبرز في منافسات كوبا أميركا.