قليلٌ جداً من اللاعبين الذين يجيدون الحديث عن كرة القدم بكل تفاصيلها عند الفوز والفرح، وعند الخسارة والحزن، وفي ظني هذا الأمر لا يحدث إلا في الفترة التي يقارب فيها اللاعب على اعتزال الكرة؛ لأنه في هذه الفترة يعيش النضج الفني، ولديه القدرة على التصرف والردّ على كل سؤال بشكل عقلاني دون أن يمسّ أحداً بسوء أو يدخل في مهاترات مع أحد.
وفي الحقيقة أنا أستغرب ممن يفصلون بين مستوى اللاعب داخل الملعب وبين حديثه خارج الملعب، وفي اعتقادي أن الجانبين مكملان لبعضهم، إلا في حالات نادرة جداً يمكن أن تلاحظ ردة فعل اللاعب داخل الملعب تختلف عن حضوره في لقاء إعلامي، وهذا ربما يعود لقوة المرحلة التنافسية، وضرورة أن تكون رغبة الفوز في أوجها، لكن في تصوري أن القاعدة العامة تقول: إن اللاعب الهادئ داخل الملعب يمارس السلوك الطبيعي له خارج الملاعب، والمشاكس يفعل التصرف ذاته خارج الملعب، وفي سلوكيات البشر الكثير من التوافق على الصعيد الشخصي أو خارج إطار محيطه الخاص.
وتظل المنافسة الشريفة في لعبة كرة القدم منحصرة داخل الملعب بالنسبة للاعبين، لكن على الصعيد الإعلامي والجماهيري -الذي يستمد بعض جوانب التنافس من الإعلام- مختلف تماماً، خصوصاً في هذا الوقت الذي كثرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت الكلمة تصل أسرع من أي شيء في الحياة، حتى وإن أطلقها شخص مجهول الهوية والمكان والغرض، لكن تأثيرها يفوق أهمية معرفة شخصيته لتتخاطف الأفواه تلك الكلمة، ويزداد تأثيرها، ويصبح الأمر له تأثير سلبي على اللاعب نفسه، فيخرج من بين اللاعبين الذين تتسم شخصيتهم وسلوكياتهم بالمشاغبة وحب الظهور؛ ليستغل الأمر ويكسب تأييداً جماهيرياً كبيراً. والأمثلة في هذا السياق كثيرة ويسهل الاستشهاد بأبرزها، ناهيك عن إمكانية حصرها، فالنجوم الذين يجيدون ضبط النفس اليوم من خلال ظهورهم الإعلامي كثيرون، لكن ليسوا هم أصحاب التأثير الأكبر، وهذا خلل، ربما يكون في تركيبة مجتمع بأكمله، فالأحاديث التي تكون محور نقاش المجالس الخاصة والعامة مرتبطة بمن لديه القدرة على فعل الأكشن!
وقد تكون العبارة التي أطلقها نجم الكرة السعودية وهدافها الحالي ناصر الشمراني “هيا تعال”، هي الأكثر انتشاراً وتأثيراً على الطرفين، وأعني بالطرفين هنا جماهير النصر والهلال، ولا يمكن لأي مشجع ينتمي للنصر، أو إعلامي ميوله النصراوية غلبت مهنيته، أن يجد لها أي تفسير غير الذي يعتقده؛ لوضوح العبارة أولاً، ولظهور اللاعب في مقطع فيديو يجعل من تفسير هذه العبارة منطقياً. ودلالة العبارة تنصّ على أن ناصر الشمراني يتوعد النصر في ديربي العاصمة، ولن يكون مهر البطولة رخيصاً إذا ما أراد النصر أن يحققها، وسيكون ناصر الشمراني ونجوم الهلال مع جماهيرهم سعيدين جداً إذا ما تحققت لهم فرصة تجريد النصر من لقبه.
وعلى الطرف الآخر يحضر قائد النصر في تصريح صحفي، يجيب فيه على تساؤل الصحافي الذي يتعلق بكلمة ناصر الشمراني “هيا تعال”، وبكل هدوء ابتعد هذا القائد عن الإجابة المشحونة التي من الممكن أن يكون لها تأثير عكسي على فريقه، وقال: لا أفهم ما الذي كان يقصده ناصر الشمراني من هذه الكلمة، فالكلمة معروفة ومشهورة في المنطقة الغربية، والوحيد الذي يملك تفسير لها هو ناصر الشمراني نفسه، أما نحن كلاعبين فالأمور لا تزال بأيدينا، ولا ننتظر من أحد أن يقدم لنا مساعدة من أي نوع، وسنقاتل داخل الملعب لحصد الألقاب، وهو الخيار الوحيد المتاح لنا، أما العبارات والكلام الكثير لن يحقق لنا أي بطولة.
إن الجميع يعلم جيدا أن حسين عبد الغني من اللاعبين الذين لا يملكون السيطرة على أنفسهم، أو عمل كنترول على ردة فعله داخل الملعب، لكن مَن يشاهده عندما يتحدث يرفض أن يربط بين حسين في الملعب وخارج الملعب، وبهذا الفكر العالي لا يمكن أن نربط بين حسين كسلوك انفعالي داخل الملعب وخارجه، وهو في تصوري نموذج للحالات النادرة التي ذكرتها في بداية المقال والخاصة بتوافق السلوك الشخصي للاعب داخل الملعب وخارجه.
إن الإثارة في كرة القدم مطلوبة، والمنافسة كلما اشتدت زادت المتعة داخل الملعب، ولا أظن أن هذا الأمر لا يخدم قيمة اللعبة فنياً؛ لهذا من المهم أن يمارس المعنيون بتنفيذ أدوار جوهرية في هذه اللعبة كلاعبين كل الطقوس وفق التركيبة السلوكية لهم.
ودمتم بخير،،،
سلطان الزايدي
zaidi161@
عن اليوم