محمد الشيخ | أندية مختطفة واتحاد مسلوب

تكشف الأزمة العميقة بين مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم والجمعية العمومية عن واقع مؤلم في علاقة الجهتين التشريعية والتنفيذية في منظومة كرة القدم السعودية أوصل الأمور إلى معركة عنيفة بلغ غبارها زيورخ حيث مقر الاتحاد الدولي، وارتفع صوت صليلها حتى ضجت منه الأوساط المحلية والدولية إلى حد بات مصير الكرة السعودية معلقا اليوم على قرار من (الفيفا).

تفاصيل الأزمة أصبحت معروفة للقاصي والداني حيث تتمحور في تجاوز الاتحاد الحالي للنظام الأساسي وخرقه لمقرراته، وهو الدستور الذي يفترض أن يحكم علاقته بالجمعية العمومية وبكافة الأطراف ذات العلاقة به، وهو ما يعتبر تعدياً صارخاً على القانون، وضرباً للآليات الديموقراطية التي على أساسها تم إقرار نظام الانتخابات في الاتحاد السعودي الذي كان يحكم طوال العقود الماضية بنظام التعيين.

الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة على المشهد كثيرة فهي تبدأ بالسؤال الأم وهو لماذا يصر الاتحاد على تجاوز النظام الأساسي؟، لتتوالد الأسئلة بدءاً بالسؤال عن الأسباب التي تجعله يتعمد خرق اللوائح، وعن الدوافع التي تجعله يتصلب في موقفه من إقصاء الجمعية العمومية، ولا تنتهي عند السؤال عن مصير الاتحاد السعودي في ظل هذه الممارسة السلبية لنظام الانتخابات الذي كان حلم الكثيرين.

الجواب عن تلك الأسئلة يحتاج إلى مساحة كبيرة للتفصيل، لكن يمكن اختصاره في حقيقة مفادها أن غياب الوعي بقيمة الانتخابات، والجهل بضرورة تفعيل الآليات الديموقراطية، وقبل ذلك عدم احترام الجمعيات العمومية كجهات تشريعية ورقابية، وما يتأسس عليها بشكل طبيعي من فرز منطقي لمعسكري الموالاة والمعارضة للسلطة التنفيذية يدفع إلى هذا النوع من التجاوزات الخطيرة، وهي ممارسة لا تحدث فقط في الاتحاد السعودي لكرة القدم بل إنها قد انتقلت إليه من الأندية عبر العقليات التي تديره اليوم، والتي تكلست بسبب الجهل بالمفاهيم الديمواقراطية، وهو ما جعل الأندية معقلاً من معاقل اختطاف القرار، وموطناً من مواطن مصادرة الرأي.

من يتأمل اليوم الأعضاء الذين يمسكون بخيوط القرار داخل الاتحاد السعودي يخرج بحقيقة أنهم من مخرجات أندية لم تؤمن يوماً بحتمية تفعيل الآليات الديموقراطية فيها، ولولا هذا التعاطي السلبي لكانت الانتخابات في اتحاد الكرة قد أنتجت تجربة جميلة بدلاً من هذه التجربة المشوهة التي بدأت بإقرار نظام أساسي مسخ الهدف منه كان تكريس التحكم باتحاد الكرة، وانتهت بوجود أعضاء يتقنون كل أدوات التلاعب بالأنظمة ويتفننون في مراوغتها.

الحقيقة التي لا مفرّ منها أن الواقع اليوم في اتحاد الكرة محبط بكل تفاصيله؛ لكن إن كان ثمة بارقة أمل فتتمثل في أن الأمير عبدالله بن مساعد هو في مقدمة من يدفعون باتجاه حتمية معالجة النظام الأساسي، وخصوصاً ما يتعلق بالطرق التي تضمن تمثيلاً يؤدي إلى نجاح اتحاد الكرة ويربطه بمرجعياته ارتباطاً وثيقاً وفي أجواء ديموقراطية صحية؛ لكن لا يمكن للأمير عبدالله السير نحو ذلك دون تصحيح المسار، والذي يقوم على حتمية تفعيله للآليات الديموقراطية في الأندية وهي التي تئن من سوء الأحوال فيها، بدءاً من سوء نظام الجمعيات العمومية، مروراً بالفشل في التنفيذ، وليس انتهاء بغياب المتابعة والرقابة، وفي ظل هذا الواقع لن ينصلح الحال ما لم يبدأ العلاج من الأندية إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج.

6