كُن فارساً لا أحد ضحايا الفيزياء!

قد يكون السقوط أمام جمعٍ من الناس أمرٌ محرج ، لكنّ سقوط الفارس من صهوة جواده يأخذُ بعداً آخر فهو في الحقيقة ليس أمراً محرجاً إنما أمرٌ مؤلم !

و بالرغم ما يقال عن أن الفارس لا يكون فارساً مالم يجرّب السقوط فإن الألم الذي ينتج عن سقوط الفارس عن ظهر حصانٍ يزن حوالي 450 كيلو جرام ويسير بسرعة 60 كم تقريباً ليس واحداً ، فقد يقف الفارس بعد سقوطه مباشرة ويمتطي جواده على وقع تصفيق الجمهور المشجّع له ، وقد يستغرق منه امتطاء جواده مرّةً أخرى عدة أشهرٍ تطول أو تقصر قياساً على حجم الإصابة التي خرج بها ، مما يجعل ركوب الخيل إحدى الرياضات التي تشترط ضوابط سلامةٍ لا يجب التساهل فيها أو التذمر منها – كما يحصل من بعض الفرسان أثناء التدريب أو في ميدان التسخين – لكنّ الالتزام بهذه الضوابط وحده ليس كافياً !
تتعدد رياضات ركوب الخيل مما يجعل لكل واحدةٍ منها فلسفةٌ خاصّة ، إلا أنها جميعها تخضع لقوانين فيزيائية كأي رياضةٍ بدنيةٍ أُخرى ، فلو أخذنا رياضة قفز الحواجز بالخيل مثلاً لوجدنا أنها تعتمد فلسفةً فيزيائية تُسمّى ” القطع المكافئ ” والذي يقوم على ثلاثة مراحل رئيسية هي تحديداً ما يمر به فارس قفز الحواجز برفقة جواده عند أدائهم قفزةً ما ، فإذا ما قمنا بإسقاط مراحل القفز على مراحل ” القطع المكافئ” لوجدنا تطابقاً تاماً بينهما ، فالمرحلة الأولى ” الإقلاع ” هي المرحلة التي يقفز فيها الجواد بأمرٍ من فارسه ، تليها مرحلة ” التعلق ” وهي تلك التي يكون فيها الفارس والجواد في الهواء ، وأخيراً مرحلة ” الهبوط ” وهي مرحلة وصول الفارس برفقة جواده إلى الأرض ، فتجتمع هذه المراحل الثلاث لجعل القفزة قطعاً مكافئاً والذي هو في الأساس ” الصعود والهبوط ” .
و للقيام بقفزةٍ مثالية يجب أن تكون أعلى نقطة ارتفاعٍ يصل إليها الفارس و جواده فوق الحاجز مباشرة ، أي أنه يجب أن تكون القفزة في التوقيت المثالي ، فقفزةٌ مبكّرة لا تمنح الفرصة للوصول إلى أعلى نقطة ارتفاع للمكافئ في المكان المناسب ، مما يجعل الهبوط فوق الحاجز أو إيقاع أحد قوائمه أمرٌ لا مفرّ منه ، أمّا عن تأخّر الفارس في إعطاء أمر الإقلاع فإنه لا يكون هناك قطعاً مكافئاً من الأساس ، فيكون السيناريو المتوقع هو أحد أمرين : فإمّا أن يرتطم الجواد بالحاجز من ثَمَّ هدمه وهو أمرٌ يُكلّف الفارس الوقوف في انتظار إعادة بناء الحاجز بضريبة زمنٍ إضافي ونقاط جزاء ، أو أنّ الجواد سوف يأخذ موقفاً من أمر فارسه المتأخّر ويمتنع عن القفز و هذا يُعرّض الفارس للاستسلم لظاهرة فيزيائية تعرف بـ ” القصور الذاتي ” و في أحيانٍ كثيرة يضطر إلى تجربة القفز وحيداً !
ما أود قوله هو : أنّ ممارسة الرياضة بحد ذاتها أمرٌ جيّد و يحصل عادةً بطريقةٍ عفوية ، لكنّك إذا كُنت تحترف هذه الرياضة فعليك أن تتعامل معها كمحترف إذ أنّ ارتجال الأداء ليس أحد خياراتك ، وإنه من الضروري أن تفهم فلسفتها الفيزيائية حتى تتمكن من تحديد الأخطاء التي تقع فيها عادةً وتعمل على معالجتها ، كما و أنّه لا بأس في أن تأخذ درساً في الفيزياء يفسّر لك فلسفة رياضةٍ تستمتع بممارستها إذا كان ذلك سوف يرفع احتمالات سلامتك ، ففي نهاية المطاف يهمّنا أن تبقى فارساً لا أن تُصبح أحد ضحايا الفيزياء .

7