بُعيد تنصيبه رئيسا للاتحاد العربي لكرة القدم، تساءلت: ما الذي يمكن أن يفعله الأمير تركي بن خالد بن فيصل في اتحاد أشبه ما يكون بالجسد الميت دماغه؟
.. للوهلة الأولى، تبدو لي المهمة مستحيلة، وقبول الأمير بها، قرار انتحاري لرجل يملك في رصيده نجاحات جيدة مع المنتخب السعودي الأول. .. للحظة، شعرت بأنه يقامر بكل مكتسباته السابقة في مهمة محفوفة بالمخاطر والعثرات، وكأنه يحاول جمع حبوب القمح في يوم ريح عاصف.
اتحاد كرة القدم العربي، نشط منتصف الثمانينيات، وتصاعدت وتيرة العمل فيه حتى غاب الأمير فيصل بن فهد، رحمه الله، نهاية التسعينيات، فبدأ الاتحاد في التثاؤب، وتكاسلت خطواته، وتفرق جمعه، فأصبحت بطولاته أثرا بعد عين، وفيما كان الرياضيون العرب يفاخرون أقرانهم بأنهم فعلوا بالرياضة ما لم يفعل الساسة، اجتمعوا واتفقوا وتنافسوا، اختلفوا لاحقا في مواعيد بطولاتهم وأشكالها وتنظيماتها، فالتحقوا بركاب قائمة “اتفق العرب على ألا يتفقوا”.
لا أريد أن يقرأ تركي بن خالد مقالي هذا، ويعتقد أني أُكسّر مجاديفه، ولا أريد أن أتسبب في سد نفسه عن المستقبل بالأحرف الماضية، ولكنها الحقيقة، أنت مقبل على مغامرة كبيرة، والمغامرات لا وسطية فيها، إما نجاحا منقطع النظير، وإما سقوطا لا يعقبه ظهور.
تواجه الأمير تركي تحديات جمّة، والمضحك المبكي أن أهم تحد هو إقناع العرب أنفسهم بأهمية وجود الاتحاد العربي، وهم الذين يفضلون السير جغرافيا تبعا للقارة، وتنظيمات “فيفا”، ولا يهتمون بالإطار العربي الذي يمتلئ بالشعارات وقليل من العمل.
كيف يمكن لتركي بن خالد أن يقنع العرب المتنافرين حسيا، المتباعدين مكانيا، بذلك؟ مهمة صعبة لا شك، والحل هو تقديم الاتحاد العربي في قالب جديد، يقنع الآخرين بأهميته ولا يرهقهم بمتطلباته. هذا عنوان واسع، أما التفاصيل فهي متشعبة وكثيرة.
.. لست مع تعدد البطولات العربية وإضافة أحمال جديدة على الأجندات المزدحمة، ويمكن الاكتفاء ببطولتين فقط، واحدة للمنتخبات تقام كل ثلاثة أعوام، حتى لا تتعارض مع النهائيات الإفريقية والآسيوية، والمونديال، وتلعب في السنوات الفردية، وبطولة أخرى للأندية، تقسم فيها جغرافيا، وتلعب أدوارها الأولى بنظام خروج المغلوب كسبا للوقت وتقصيرا لمسافات الانتقال.
لا تتوقف التحديات عند ذلك، فكل الرياضيين العرب ومسؤوليهم، لن يشعروا بأهمية هذه المنظمة ما لم تكن هناك مكتسبات مادية ومعنوية مغرية، تحثهم على البقاء تحت مظلة اتحاد تركي بن خالد، ولهذا يحتاج الاتحاد العربي إلى شريك يدعم بطولاته ويغذيها ماليا ويسهم في ترويجها. قبل هذا كله، من الواضح أن الاتحاد العربي يعني الكثير للسعودية حكومة ومسؤولين، ويهمهم استمراره، وله رمزية خاصة تطلق إشارات مدروسة بعناية، ولذلك يحتاج الرئيس الجديد إلى الاتحاد العربي دعما لوجستيا وميدانيا كبيرين للنجاح في مهمته، وحتى لا يغني: “قبل ما ترميني في بحورك، مش كنت تعلمني العوم”.
مقالة للكاتب بتال القوس عن جريدة الاقتصادية