أتابع كرة القدم منذ (40) سنة، وأستمتع بقراءة لوائحها وأنظمتها وقوانينها وأشعر أنها جزء مهم في حياتي تحولت مع مرور الأيام من متعة فنية داخل المسطح الأخضر كممارسة ومتابعة إلى متعة تنظيمية تتعلق بتطور صناعة اللعبة والتنظيم الإداري.
شخصيا عاصرت أبرز نجوم كرة القدم، إما عبر المشاهدة المباشرة أو المتابعة المرئية أو الإعلامية بدءا من بيليه وحضوره للرياض مع فريقه سانتوس عام 1973 للعب مباراة ودية مع منتخب المملكة، ومرورا بكل النجوم الدوليين والمحليين فيما بعد.
وبحكم أنني من مواليد حي الوزير بالرياض فإن ذلك يحتم عليك معاصرة ومشاهدة معظم الملاعب الترابية في شارع الخزان والوزير (الشمسية) والظهيرة والفوطة والسويلم والعطايف، وهي ملاعب تضم نخبة نجوم كرة القدم في المملكة في تلك الحقبة.
وكرة القدم بالنسبة لي حالة من الاسترخاء والاستمتاع والإعجاب وأيضا من التواصل مع الأقران والمواهب والأصدقاء، وقد سمحت لي الظروف أن أعمل في مجالها على المستوى الرسمي في الاتحاد العربي والاتحاد السعودي ونادي النصر، وأن أمارس الإعلام الرياضي المتعلق بلعبة كرة القدم على وجه التحديد منذ ربع قرن، وكانت لي علاقة متميزة مع المكتب الإعلامي للفيفا بين عامي 1992 وحتى 2008 كما أن علاقتي مع أمين عام الاتحاد الآسيوي السابق السيد بيتر فيلابان كانت فوق الممتازة خلال الحقبة نفسها.
اليوم أجد كرة القدم أقل إمتاعا وإبداعا ومهارة وتكنيكا، حيث طغت الخطط والتكتيكات الجماعية التي قتلت الموهبة الفردية الإبداعية التي جعلتنا نتعلق بكرة القدم.
كأس العالم التي كانت مركزا لكل إبداع في عالم اللعبة الأكثر شعبية أصبحت دورة لا تتميز كثيرا بالجانب الفني بل هي في أرقى مستويات الجانب التنظيمي والدقة العالية في مفردات اللعبة خارج الميدان.
انظروا إلى نوعية اللاعبين الحاليين وإمكاناتهم وقارنوهم بلاعبي السبعينات والثمانينات، أعطوني نجما أرجنتينيا مثل ماردونا أو كمبس، أو ألمانيا مثل رومينجه وموللر وبرايتنر، أو هولنديا مثل كرويف وكرول ونيسكنز وقس على بقية المنتخبات، وأنا هنا لا أتحدث عن نجم أو اثنين، أنا أتكلم عن مجموعة نجوم في كل منتخب تجدون فيهم إمكانات بدنية هائلة وإمكانات فنية خرافية كانت تعطيك سمفونيات فنية داخل الملعب ومتعة حقيقية تجعلك لا تجرؤ على تحويل القناة ولو لجزء من الثانية، بينما الآن بعض النجوم الكبار يفتقد مع الأسف لبعض أساسيات كرة القدم.
ولم أجد تبريرا لهذا التحول في جماليات اللعبة إلا ارتباطها بالعقود والمراهنات والإعلانات والرعايات وغيرها، الأمر الذي حولها من كرة طبيعية إبداعية إلى كرة قدم تجارية، كل شيء محسوب فيها بالثانية والهللة.
لا أعلم إن كان هذا الشعور أصاب أبناء جيلي أم لا، ولكن حتما الأجيال التي بعدنا قد لا يهمها كثيرا ما تحدثت به لأنهم عرفوا كرة القدم بشكلها الحالي وطريقتها الفنية التكتيكية الحالية، فبالتالي ذائقتهم على ما وجدوا أمامهم، لكن ذائقة من عاش مرحلة الأساطير بدءا من بيليه وانتهاء بماجد عبدالله يرى أن كرة القدم اليوم تختلف كثيرا عن السابق ولم تعد فيها متعة السبعينات والثمانينات.
مقالة للكاتب علي حمدان عن جريدة الوطن